وأخذوا من هذا الحديث أيضاً: جواز مباشرة المعتكف لزوجه حال اعتكافه، وأجابوا عن الآية الكريمة:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}[البقرة:١٨٧] ، فقالوا: المباشرة الواردة في الآية والمنهي عنها هي الجماع، أما المباشرة الجائزة فكما في فعل عائشة، والمباشرة مأخوذة من البشرة وهي الجلد لمباشرته الهواء والفضاء، والمباشرة هي: ملامسة البشرة للبشرة، ولذا سمي بنو آدم بشراً؛ لأن بشرتهم وهي الجلدة مكشوفة بخلاف الطيور والحيوانات فإنها مكسوة، إما بالريش في الطيور، وأما بالشعر والصوف في الحيوانات.
فهنا قالوا: المباشرة المنهي عنها في الآية الكريمة إنما هي الجماع، كما جاء في أول الآية:{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}[البقرة:١٨٧] أي: من الولد.
فالمباشرة تطلق بالمعنى الأعم وهو مجرد التقاء البشرة بالبشرة، وبالمعنى الأخص وهو الجماع، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن ربكم حيي كريم يكني ولا يصرح، ففي قوله تعالى:{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ}[البقرة:١٨٧] كناية، وهي كناية لطيفة، وكذلك في آخر الآية:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}[البقرة:١٨٧] يعني: إذا كان أحدكم معتكفاً وخرج إلى بيته لحاجة فلقي أهله فلا يباشرها وإن كان في البيت وليلاً؛ لأنه معتكف ومنقطع إلى الله سبحانه وتعالى.
فقال العلماء: المباشرة التي هي دون الجماع جائزة للمعتكف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمكن عائشة من أن تباشر ترجيل شعره، ومعلوم أن مجرد ترجيل الشعر ليس خاصاً بهذه الأسلاك الناعمة التي لا تسري فيها حرارة، بل لابد أن تمس جلدة الرأس، ولابد أن تمس جانباً من الوجه، ولابد أن تمس جزءاً من الرقبة، فهذه مباشرة لا مانع للمعتكف من فعلها، وأيضاً كون المرأة حائضاً لا يمنع من أن تخدم زوجها، ولو كان متلبساً بالعبادة.