جمهور الفقهاء على أن الماء على ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس، فالطهور: هو الذي يطهر غيره، كالماء الذي يتوضأ ويغتسل منه، وتغسل به النجاسة، والطاهر: هو الذي يجوز استعماله فيما طابت به النفس، ولكن لا يتطهر به محدث، ولا تطهر به نجاسة، وهو الماء الذي تغيّر أحد أوصافه بطاهر، مثل ماء الورد، وهو ماء خالطه عطر الورد، فهل هذا الماء طهور نتوضأ منه؟ لا.
وهل هو نجس؟ لا.
إذاً: هو طاهر، يجوز أن تستعمله في ثيابك، وأن تضعه في شرابك، أو في طعامك، لكن لا يدخل في العبادات؛ لأن الماء الطهور هو الباقي على خلقته التي خلقه الله عليها، فإذا تغير بمضاف إليه خرج عن الحد الذي خلقه الله عليه، ولهذا قالوا: كل ماء طهور تغيّر بأصل طاهر؛ سلبه الطهورية، ولكن لم يسلبه كونه طاهراً، فلك أن تستعمله في العادات لا في العبادات، فمثلاً: عندك طست من الماء، فسقطت فيه قطرة من الحبر، والحبر أزرق أو أسود فظهر لونه في الماء، فهل هذا الماء طهور تتوضأ منه؟ الجواب: لا، لكن يمكن أن تستعمله فيما يمكن أن تستعمله فيه، وفيما يصلح أن تضيفه إليه.
إذاً: القيد -ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة- جاء بإطلاق، وجاء بنجاسة تحدث فيه، ولو تغير أحد أوصافه بطاهر فيسلبه الطهورية عن الوضوء وعن غسل الجنابة وغسل النجاسة، ويبقى حكم الطهارة فيه، فهو ماء طاهر، فإن شئت شربته، وإن شئت اغتسلت به لغير الجنابة، وإن شئت غسلت به إناءً ما لم يكن نجساً، إلى غير ذلك.
وبعض العلماء يقول: إن تغير بنجس تنجس، وإن تغير بطاهر بقي على طهوريته؛ لأن هذا التغيير بطاهر فلا يسلبه طهوريته، ولكن هذا شاذ، وهذا القائل يستدل بحديث صفية رضي الله تعالى عنها قالت:(اغتسلت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من جفنة فيها أثر العجين) ، فالجفنة كانوا يعجنون فيها، فجاءوا وصبوا الماء في الجفنة، واغتسلوا منها، ووجه الاستدلال: أن العجين اليابس في الجفنة إذا وقع عليه الماء فإنه يتحلل في الماء، وهذا سيغير لون الماء إلى بياض العجين، قالوا: فقد اغتسلوا من هذا الماء الذي تحلل فيه العجين، وأجاب غيرهم على هذا: بأنهم اغتسلوا بسرعة قبل أن يتحلل العجين.
فمذهب الجمهور أن الماء الذي خالطه طاهر وغير أحد أوصافه فهو طاهر غير طهور، مثل إناء فيه ماء فصب فيه ماء الورد، فقد صار ماء ورد، أو سقط فيه زعفران، فيكون ماء زعفران، وهكذا لو سكبت فيه شيئاً من البر أو اللوبيا أو غيرهما، ونظرت فيه وقد تغير، فليس ماءً مطلقاً، ولهذا يقولون: الماء المطلق هو الطهور، فإذا ما أضيف إليه شيء وغير بعض أوصافه؛ خرج عن مسمى الماء المطلق، وأصبح ماء مقيداً، أما ماء ورد، أو ماء زعفران، أو ماء سكر، أو ماء ملح، إذا وضع الملح في الماء يجعله مالحاً، وإذا وضع السكر فيه فإنه يحليه، وكل هذا يسلب الماء الاسم المطلق، ويصير ماءً مضافاً إلى ما أضيف إليه، ماء مسكر، أو ماء مملح وهكذا، حتى ولو كان الذي خالطه طاهر، فإنه يسلبه اسم الماء الطلق، ولم يبق طهوراً، ومن هنا أخذ الجمهور أن الماء طهور لا ينجسه شيء، وأضافوا إليه القيد الثاني: إلا ما غير لونه، أو ريحه، أو طعمه، فإن تغير بطاهر فهناك من يقول: هو باق على طهوريته، وأما إن تغير بنجس فقد خرج عن الطهورية إلى النجاسة، لتغير أحد أوصافه، وهذا هو رأي الأئمة الثلاثة.