يذكرون في كتب الفقه لو أن ناظر وقف أو وصي أيتام ابتلي بظالم اعتدى على عين الوقف، وأخذ جزءاً منه، مثلاً جاره اعتدى على الحد، وأخذ جزءاً منه، حاول ناظر الوقف هنا وهناك في المحكمة أن يرجع الحق، وأبرز وثائق الإثبات لكن بدون فائدة، وجاء له هذا الظالم وقال: اسمع! تريد حقك؟ قال: نعم، قال: صالحني بمبلغ كذا، وأنا أرد لك الوقف، فيتفق العلماء أن للناظر أن يصالح هذا الظالم ببعض الوقف ليستخلص البعض، مثلاً: هو أخذ ألف متر، فيقول له: أترك لك مائتين متر، ويسامحه ويصالحه على مائتين متر، ويستنقذ الثمانمائة، وكذلك وصي اليتيم، وآكل مال اليتيم يأكل ناراً في بطنه، ومع ذلك إذا اغتصب ماله، ولم يستطع وصيه تخليصه إلا بجزء منه فله ذلك؛ لأنه عمل لمصلحة اليتيم باستنقاذ البعض بالبعض، وله أجر في ذلك، وذاك عليه وزرٌ فيما يأخذ.
إذاً: الرشوة من حيث هي محرمة، ملعون دافعها، وملعون آكلها، وملعون الواسطة بينهما، ولكن: إذا دعت الضرورة فنجد من العلماء من يقول: اللعن عام دون استثناء، فماذا يفعل صاحب الحق الضائع؟ قالوا: يصبر، لكن إلى متى؟ وهناك من يقول: يرتكب أخف الضررين، وينقذ البعض أو الأكثر بالأقل، والله تعالى أعلم.