قال رحمه الله تعالى: [وعن عثمان رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته في الوضوء) أخرجه الترمذي، وصححه ابن خزيمة] .
بعد أن انتهى المؤلف رحمه الله من الأمور كالخفية الأنف والفم جاء إلى الظواهر، فذكر أنه كان صلى الله عليه وسلم -وهذا يدل على الدوام وعلى الاستمرار- يخلل لحيته) .
والتخليل: هو إدخال شيء بين شيئين، وتخليل الأصابع: هو إدخال الأصبع بين فجوات الأصابع الأخرى، وكذلك تخليل اللحية بأن تدخل أصابعك خلال شعر الوجه، فقد كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، وكان يخلل لحيته في الوضوء، وهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم أقل ما يقال فيه قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[الأحزاب:٢١] .
ولكن الفقهاء ناقشوا هذه المسألة، فعندما يكون الشخص أمرد لا لحية له، وغسل الوجه، فإن الماء سيعم بشرة الوجه من منبت الشعر في الجبهة إلى أسفل الذقن، ومن الأذن إلى الإذن، أي: أن الماء قد أسبغ على الوجه كاملاً.
عندما تكون اللحية موجودة وكثة فلاشك أن اللحية ستحول دون ذلك، سواءٌ أكان الشعر جعداً، أم سبطاً، فإنه يحمل مادة دهنية، فيمنع الماء أن يدخل من خلاله إلا إذا خللته أنت.
وهنا يأتي السؤال:مع وجود اللحية هل الفرض في غسل الوجه لا زال لبشرة الوجه، أم ينتقل من بشرة الوجه إلى اللحية؟ وهذا كقوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}[المائدة:٦] ، فإذا كان الإنسان أصلع ومسح فإنه سيمسح جلدة رأسه، فإذا كان الشعر كثيفاً ومسح فإنه سيمسح على شعره، والله تعالى يقول:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}[المائدة:٦] ، فهو سيمسح شعر رأسه؛ لأن مسح جلدة الرأس أصبح متعذراً، يقول الأصوليون: من قارب الشيء يعطى حكمه، ووجدنا جواز مسح الخفين بدلاً عن غسل القدمين؛ لأنهما ساترين للقدمين، مع أن هذا مشروع مستقل، لكن كان هذا تنظيرياً للمسألة.
وهنا الواجب غسل الوجه، والوجه أصبح مغطى بالشعر، فبعض العلماء يقول: يكفي مرور الماء على ظاهر اللحية، كما يكفي مرور الماء على شعر الرأس، وهذه بتلك، وبعضهم قال: لا، الوجه للغسل وهو آكد من المسح فعليك أن تعمل ما بوسعك، خلل اللحية بمعنى: أن تدخل الأصابع خلال الشعر وهي مبللة؛ لأن الماء - إن قلنا إن الشعر يجزئ عن بشرة الوجه -سيمر على الشعر الظاهر على اللحية وباطن اللحية يأته شيء، فعندما تكون الأصابع مبللة وتدخلها في خلال اللحية يتبلل من الشعر جزء أكبر، ولذا قالوا في تخليل اللحية: أن يدخل الأصابع من أسفلها؛ لأنه إذا أدخل الأصابع من أسفلها تخلل الشعر، أما إذا أدخلها من أعلاها فيمكن أن ينثني الشعر مع أصابع يده ولا تنفذ الأصابع بين الشعر كما تتمكن من النفوذ إذا أدخلها من أسفلها.
فيدخل الأصابع بين شعر اللحية من أعلى أو من أسفل بيد واحدة، فهذا كاف في تخليل اللحية، وإذا كانت اللحية شعيرات قليلة فليس هناك شيء يخلل، بل إن الماء سيصل إلى تحت اللحية بطبيعته، والله تعالى أعلم.