[نظر الفضل بن العباس إلى الخثعمية وكلام العلماء في ذلك]
وكما جاء في الحديث هنا: كانت تنظر إلى الفضل، وكان الفضل ينظر إليها، فكان صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل عنها إلى الجهة الأخرى، وتكرر ذلك حتى قال العباس رضي الله تعالى عنه -وكان حاضراً-: يا ابن أخي! قد أتعبت أو أوجعت عنق ابن أخيك.
أي: في تكرار صرف وجهه إلى الجهة الأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم:(رأيت شابة وشاباً فخشيت أن يدخل الشيطان بينهما) .
وهنا للعلماء مباحث: كيف كان الفضل ينظر إليها، وقد فرض الحجاب من قبل؟ يقول بعض العلماء: إن المرأة في الحج تسفر عن وجهها؛ لأنها نهيت عن لباس البرقع والنقاب، ولكن جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:(كنا إذا لقينا الركبان أسدلنا على وجوهنا، وإذا فارقونا كشفنا عن وجوهنا) .
ومن هنا تكلموا في تغطية المرأة لوجهها أثناء الإحرام، والذين قالوا: إن المرأة تكشف وجهها دائماً في إحرامها، أخذوا ذلك من هذا الحديث: أن الفضل ينظر إليها، وهي حسناء، وقالوا: لا يتأتى ذلك إلا إذا كانت مسفرة عن وجهها، ولكن فاتهم ما يوجد في الحديث: من أنه صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت فتاة وشاباً) ، فإن الفتاة ولو كانت مخمرة وجهها، فإنها لقرب الحجاب من عينيها ترى الطريق، وترى من تلقاه من الرجال، فكما يخشى على الشاب من الفتاه، كذلك يخشى على الفتاة من الشاب.
إذاً: صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل عنها لا يدل قطعاً على أنها كانت مسفرة عن وجهها، بل يدل قطعاً بأنها لشبابها ولشباب الفضل يمكن أن تفتتن به، ويتفق العلماء: على أن بني هاشم بصفة عامة كانوا من أجمل الناس، رجالاً ونساء، وجاء في هذه القصة -بالذات- أن الفضل كان وسيماً.
إذاً: صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل لا يقتضي أن تكون الفتاة مسفرةً وجهها، ولا دليل فيه لمن يقول ذلك.
وقد قدمنا بأن حجة النبي صلى الله عليه وسلم تأتي على كل شيء في الإسلام، فهذه الحادثة وقف عندها العلماء وبحثوا سفور المرأة في الحج وعدم سفورها.
ثم ذكروا أن من الشفقة ومن الرأفة بالإنسان أن تردفه على دابتك إذا كانت تحتمل اثنين، أما إذا كانت لا تحتمل فلا يجوز، وهذا من باب الرفق بالحيوان.
وقد جاء في شأن الرفق بالحيوان ما هو أبعد من ذلك، جاء: أن امرأة دخلت النار في هرة، وجاء: أن امرأة بغياً دخلت الجنة في كلب سقته، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في قصة البعير الذي ندّ عن صاحبه، أن بيّن له وقال:(بعيرك يشتكي كثرة الكلف وقلة العلف) ، فقد بيّن صلى الله عليه وسلم أنه يجب أن يرفق بالحيوان ولا يكلف فوق طاقته.