[شروط الحوالة]
في الحوالة شروط: فيشترط شرط في المحال، والمحيل، والمحال عليه، وشرط في الدين الذي للمحال على المحيل، والدين الذي للمحيل على المحال عليه، لأنه يوجد دينان: دين بين رقم واحد واثنين، ودين بين رقم اثنين وثلاثة.
وإذا كان المحال عليه مليئاً، فهل يلزم رضا المحال في إحالته على الثالث أو لا يلزم؟ الحنابلة والجمهور أنه لا يلزم رضاه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من أحيل على مليء فليحتل) ، والذي يشترط رضاه هو المحيل، فلو أن المحيل لم يحل هذا، وهذا عرف أن له عند الشخص الثالث ألف ريال، فذهب يقول له: أعطني ألف ريال مما لرقم اثنين عليك، فسيقول له الثالث: أهو أحالك علي؟ فيقول له: ما أحالني، إذاً: لن يعطيه.
فهل يشترط في الحوالة رضا المحيل فقط، أو يشترط رضا المحال والمحال عليه؟ لا يحق للمحال عليه أن يقول للمحيل: لم تحِل عليّ؟ فهذا حقه عليه، وله يستوفيه بنفسه أو بنائب عنه أو بغيره، والذي عليه أن يدفع الألف سواءً وضعها في يده أم في يد شخص آخر.
إذاً: المحال عليه لا يؤخذ رضاه إلا عند مالك في صورة واحدة وهي: إذا كان المحال عدواً للمحال عليه، فهو عدو له لا يتعامل معه.
فإذا كان المحال عدواً للمحال عليه فـ مالك يقول: المحال عليه لا يلزمه أن يعطيه؛ لأنه أحال عليه عدواً، وهو لا يتعامل مع عدوه، والجمهور يقولون: الحديث مطلق.
وقالوا: يشترط في الدين الذي أحيل أن يكون مساوياً للدين الذي أحيل عليه في الجنس، فإذا كان له ألف ريال سعودي أو ألف روبية أو ألف دولار؛ فيجب أن يكون الدين الذي للمحيل على المحال عليه من جنس ذلك، يعني: يحيل أبو الريالات على ريالات، ويحيل أبو الدولارات على الدولارات.
فلو كان هذا مدين لعدة أشخاص بعدة مبالغ، واحد له استرليني، وآخر له سعودي، وآخر له دولار، وهو كذلك أيضاً له ديون عند الناس بأنواع من العُمَل، فجاءه المطالبون، فيحيل كل دائن له على نوع الدين الذي له عند الآخر.
أما إذا كان هذا له ألف ريال عنده وهو له ألف دولار عند هذا، فلا يصح أن يحيل الألف الريال على الألف الدولار؛ لأن فيها مصارفة بدون تسليم.
وإذا كان الجنس واحداً، عنده ألف ريال لهذا، وله خمسة آلاف ريال على ذاك، فأحال صاحب الألف على صاحب خمسة آلاف، فتصح الحوالة.
وإذا كان العكس، هذا له خمسة آلاف على هذا، وهذا له ألف على ذاك، فهل يحيل بالخمسة على الواحد؟ لا، بل يحيل بالواحد على الواحد لتساوي الدينين.
ويشترط في الدين الذي يحال عليه شرط مهم، وهو: أن يكون ثابتاً مستقراً للمحيل، ليس قابلاً للنقض والفسخ، فلو أن هذا كان قد باع للثالث سلعة، والثالث اشترط الخيار فيها شهراً، وجاء رقم واحد يطالب بالدين، فأحاله على قيمة المبيع لذاك الثالث، فلا تصح الحوالة؛ لأن قيمة المبيع لم يستقر في ذمة المشتري، وبقي له الخيار، وإذا كان الخيار باقياً فإن الثمن معلَّق.
إذاً: لا يصح أن يحيل عليه، لأنه يمكن أن يفسخ البيع ولا يدفع الحوالة التي أحاله عليها.
والمرأة إذا كان لها ألف ريال صداق على الزوج، ولكنه لم يدخل بها، فهل لها أن تحيل بدين عليها على الزوج، ليأخذ المحال الألف من صداقها؟ لا، لأنه لم يدخل عليها، والصداق إنما يستقر بالدخول، فهذا دين ليس مستقراً.
وإذا كان رجل له دين سَلَمٍ على رجل، فهل يحيل عليه؟ لا يحيل عليه؛ لأن دين السَّلَم لا يبدَّل ولا يغيَّر ولا يُحال عليه.
إذاً: يشترط في الدين الذي يحال عليه: مماثلة الدين المحال، واستقراره في ذمة المحال عليه.
قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أحيل أحدكم على مليء) ، المليء يكون -كما يقول الحنابلة- بالقول وبالفعل وبالجاه، مليء: عنده الوفاء بالدين.
ويشترط لصحة الحوالة حلول الدينين، هذا له ألف حل أجلها، وهذا له ألف عند ذاك وحل أجلها، لكن إذا كان دين هذا حلّ على هذا، ودين الثاني لم يحل على الثالث، فلا يحيل على مؤجل؛ لأنه سيقول المحال عليه: ما حل الأجل حتى أدفع لك، فلو جاء صاحب الدين الأصيل وقال: أعطني ديني، يقول له: ما حل الأجل، وما لك حق في المطالبة.
إذاً: يشترط لصحة الحوالة رضا المحيل، واتفاق جنس الدينين، وحلول الأجل فيهما، وبقي شروط، وهو: أن يكون المحال عليه مليئاً معروفاً بالوفاء، فيكون عنده مال، ويعطي ولا يماطل، ولا يكون معروفاً عند الناس بأنه لا يدفع الدين الذي عليه إلا بالمحاكم وبالحبس وبالإساءة، فلو كان على هذه الحالة فليس مليئاً في الحوالة، ويرفض المحال أن يحتل إلى هذا؛ لأنه رجل معروف بالمطل، وقد لا يعطيه إلا بعد سنة! ويشترط الحنابلة أيضاً أن يستطيع المحال مقاضاة المحال في المحكمة، ومفهومه لو أن مديناً أحال دائناً على والد الدائن، وقال له: عند والدك لي ألف ريال، اذهب وخذه.
فهل الابن يستطيع أن يقدم أباه للمحكمة في الدين؟ لا، وسيقال له: ارجع فأنت ومالك لأبيك.
ولو كان الرجل مديناً لأمير أو سلطان أو إنسان ظالم جبار أو إنسان يأكل حقوق الناس ولا يبالي، فحول دائنه على من لا يستطيع إحضاره إلى مجلس القضاء، فهل هذا مليء أم غير مليء؟ غير مليء؛ لأنه يحتاج إلى مقاضاة وإلى معاناة، وقد يحصل الوفاء، وقد لا يحصل.
إذاً: إذا استوى الدينان جنساً، ورضي المحيل، وكان المحال عليه مليئاً؛ تمت الحوالة، وبها تبرأ ذمة المحيل من دين المحال، ويتحول المحال إلى المحال عليه، ولا يرجع إلى المحيل بحال من الأحوال أخذ أو لم يأخذ، حتى لو قدر أن المحال توانى عن مطالبة المحال عليه حتى أصبح فقيراً، فلا يقول: هذا غير مليء؛ لأنه وقت أن حوّله المحيل كان المحال عليه مليئاً، والمحال هو الذي تأخر، ولا يحق له أن يرجع إلى المحيل.
وقد جاء عن علي رضي الله تعالى عنه أن رجلاً يمانياً كان له دين عند علي، فأحاله على إنسان مليء معروف، فذهب وبعد فترة جاء يطالبه فإذا المحال عليه مفلس، فرجع إلى علي، وطالبه بالدين، فقال له: قد أحلتك، فقال الرجل: هو مفلس، فقال له: لم ترض بنا، ورضيت بغيرنا بديلاً، اذهب ولا كرامة.
أي: أن حقك كان علينا، وأنت لم ترض أن تنتظر، وحوّلناك وتحوّلت، وإذا لم تحصل على دينك فليس لك أن ترجع علينا مرة أخرى.
ولهذا يقولون: إن الدين المحال برضا المحيل على مليء ينتقل في الحال، ولا يرجع المحال على المحيل بالدين بحالة من الأحوال، ومن يوم أن حوّله برئت ذمته، وانتقل الدين إلى المحال عليه.