[خلاف العلماء في وتر الثلاث]
بقي عندنا الوتر بثلاث كيف يصليها؟ يأتي البحث مطولاً في الثلاث أكثر من غيرها، تارة يأتي السياق بأنه صلى الله عليه وسلم صلى الوتر ثلاثاً، لا يجلس في الثانية، إنما يأتي بثلاث سرداً، كما تقدم عن ابن حزم في الركعة الخامسة والسابعة والتاسعة، فيصلي ثلاث ركعات، فيجلس في الثالثة ويتشهد ويسلم، ولكن غالب ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه يفصلهما، فيصلي ركعتين ويسلم منهما، ثم يأتي بالثالثة فيما بعد ويسلم لها.
وهذه الركعات الثلاث عند الفقهاء موصولة أم مفرقة؟ الخلاف في هذه بين الأحناف والجمهور، فالأحناف يرون أن الوتر بثلاث موصولة، يجلس في الثانية يتشهد ولا يسلم، ثم يقوم ويأتي بالثالثة يتشهد ويسلم، لكن الجمهور واجهوا الأحناف بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشبهوا الوتر بالمغرب) أي: في الكيفية: كون الإنسان يجلس في الثانية ويتشهد التشهد الأول، ثم ينهض ويأتي بالثالثة، ويتشهد التشهد الكامل ويسلم، هذه صورة المغرب سواء بسواء.
استدل الأحناف بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديثها: (ما زاد رسول الله صلى الله وسلم في رمضان ولا في غيره عن ثماني ركعات، يصلي ركعتين لا تسل عن حسنهن وطولهن.
ثم يوتر بثلاث) ، لكنها لم تفصّل لنا كيفية هذه الثلاث، وقال الأحناف: لم نجد ثلاثاً إلا كصفة المغرب، ولم نجد صلاة ركعة واحدة منفردة من الصلوات.
وهناك الخلاف هل تصح الصلاة ركعة واحدة؟ جاء عن بعض السلف أنه قال: لا توجد صلاة ركعة واحدة، فأخذ بذلك الأحناف، ولكن أجيب عن ذلك بأن هناك من كان يقول في قصر الصلاة الرباعية تقصر إلى ركعتين، فصلاة السفر ركعتان، قالوا: صلاة الخوف تقصر عن صلاة السفر فتكون ركعة واحدة، فقال القائل كما ينقل ابن دقيق العيد: لم نجد صلاة ركعة واحدة، يعني: في الفريضة، لا في حضر ولا في سفر، ولا حتى في صلاة الخوف، وجميع صلاة الخوف الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ركعتان، بأنه يقسم الجيش قسمين، فإن كان العدو اتجاه القبلة صفوا صفين وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بالصف الذي يليه ركعة ثم جلسوا، ثم قام الصف الثاني الذي كان في الحراسة فصلى، ونهض الصف الأول للحراسة من أمامه، فإذا ما صلى ركعتين مفرقتين على الصفين جلس، وقام كل صف ليتم لنفسه، ثم سلم بهم جميعاً، وقد صلى الجميع ركعتين.
وإذا كان العدو في غير القبلة قسم الجيش قسمين: قسم يتجه إلى العدو حراسة، وقسم يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبلة، فإذا صلى بالصف الذي وراءه ركعة يذهب إلى الحراسة، ويأتي ذاك الصف الذي كان في الحراسة فيأتي ويصف خلف النبي إلى القبلة، ويصلي به الركعة الثانية، فإذا ما أتم صلى الله عليه وسلم لنفسه ركعتين، وكان لكل نصف من الجيش ركعة، أتم كل ركعته الباقية وسلم.
وعلى هذا فلم نجد في صلاة الخوف ركعة واحدة، وقد بحث هذه المسألة والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في قصر الصلاة في السفر، وأطال في هذه المسألة إطالة طويلة جداً.
يهمنا الآن هل توجد ركعة واحدة في الصلاة أم لا، نحن أمامنا نص صحيح صريح، (فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة واحدة) ، فهذا نص، وقوله: (ركعة) التاء هنا علامة الوحدة، كما تقول: أكلت تمرة، لو قلت: أكلت تمراً، لكان شيئاً كثيراً لا ندري كم هو، لكن إذا قلت: أكلت تمرة تفاحة برتقالة، فهي واحدة، التاء يقال لها: تاء الوحدة، فجاءت مؤكدة بالعدد، (ركعة واحدة) .
إذاً: وجدنا في التطوع ركعة واحدة، وهي ركعة الوتر، وهي محل الخلاف، إذاً: لا يقوم للأحناف إزاء هذا الحديث ما يستدلون به من أنه لم توجد صلاة ركعة واحدة.
والجمهور يقولون لهم: لا مانع أن نصلي الوتر بثلاث، ولكن مفرقة، أو أنكم لا تجلسون في الثانية حتى لا تشبهوه بالمغرب.
إذاً: قول أبي أيوب: (الوتر حق على كل مسلم) كان هذا الجزء من الحديث موجباً للوتر، ولكن ما جاء بعده: (فمن شاء أن يوتر بخمس.
بثلاث.
بواحدة فليفعل) خلخل قاعدة الوجوب، وجعل فيها مجالاً للخلاف، وللبحث في ذلك.
نجد من فقه المؤلف أنه يسوق لنا بعده حالاً حديث علي رضي الله تعالى عنه.