والذي يهمنا أنه صلى الله عليه وسلم اختار هذا المكان، ومن هنا يقول العلماء: يتعين على أمير الحج، وإمارة الحج قديمة من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده في زمن الخلفاء الراشدين رضوان الله تعالى عليهم، وكذلك في زمن بني أمية وبني العباس إلخ.
فلابد للحج من أمير ليسير الحجاج بسيره وينزلوا بنزوله ويكون هو بذاته أهلاً لأن يرشد الحجاج إلى ما يحتاجونه، فإن لم يكن فيه الكفاءة ولا الأهلية فليكن معه من أهل العلم من يفعل ذلك، وعمر رضي الله تعالى عنه في خلافته لكثرة مشاغله، ولأنه كان يكثر الناس عليه أقام للناس على الحج ابن عباس ليقيم للناس المناسك، ولما أمره أن يقيم للناس المناسك، قال: يا أمير المؤمنين! لا أقوى على سكنى بلدٍ تتضاعف فيه السيئات كما تتضاعف فيه الحسنات، وإني سأتخذ الطائف مسكناً، فإذا جاء الحج نزلت إلى مكة.
ومن بعده كان عطاء رضي الله تعالى عنه، وكان ينادى: لا يفتي أحد في المناسك إلا عطاء، ومن هنا يجب توحيد الفتوى، وتوحيد البيان والإرشاد والتعليم حتى لا يُشوش على الناس باختلاف الآراء، فقد يأتي إنسان ويسأل هذا عن مسألة فيفتيه بقول، ويذهب إلى ذاك في عين المسألة فيفتيه بقول آخر، فيكون في ذلك الحيرة والتذبذب لهذا السائل، ولا يدري بما يأخذ، فكانت الفتوى توحد في موسم الحج لئلا يشكك الناس ولئلا يقعوا في الحيرة.
فأتى صلى الله عليه وسلم ووقف في ذلك المكان وعليه يتعين على أمراء الحج أن يقفوا هناك، أي: ينصبوا خيامهم أو منازلهم بجوار ذاك الجبل، وليس بلازم عليهم أن يقفوا على رواحلهم كما وقف صلى الله عليه وسلم.