يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الكتاب -كتاب الجنائز- أن رجلاً سقط عن راحلته فوقصته فمات، فقال صلى الله عليه وسلم (غسلوه وكفنوه ولا تخمروه ولا تحنطوه وكفنوه في ثوبين) والرواية الأخرى: (في ثوبيه) .
هذا الحديث يسوقه المؤلف رحمه الله تعالى من قصة مشهورة، ذلك أن هذا الرجل كان محرماً وواقفاً بعرفات، فسقط عن راحلته، فوقصته راحلته -أي: رمحته- فمات وهو محرم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعامل معاملة الموتى بأن يغسل ويكفن، ثم نهى عن إلحاق هذا المحرم بعامة الموتى، وألا يقرب بما لا يجوز للمحرم من جانب الطيب وتخمير الرأس، واستدلوا على أن الوجه من الرأس؛ لأن بعضهم يذكر:(ولا تخمروا رأسه ووجهه) والخلاف في ذلك عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا نام وهو محرم خمر وجهه، والجمهور على أنه لا يخمر الرأس ولا الوجه، فقد جاء في الحديث:(فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) وهذه التتمة تبين العلة في سبب النهي عن تغطية الرأس، وكذلك النهي عن الطِيب كما ينبغي التنبيه في الوقت الحاضر على ما يقع من حوادث السيارات -عافانا الله وإياكم- لبعض الحجاج، أو المعتمرين، وينتج عن ذلك الوفاة، فنجد البعض يجهز هذا الميت المحرم، ثم يكفنه ويغطي الرأس ويحنطه كما يحنط الموتى، وهذا لا ينبغي؛ لأن من مات قبل أن يقضي نسكه فإنه يعامل معاملة المحرم الحي، من حيث اجتناب الطيب، وعدم تغطية الرأس.
وقال بعض العلماء: إن هذه إكرامية للمحرم، مثلما أن الشهيد لا يغسل ولا يذهب عنه الدم؛ لأنه يكون شهادةً له عند الله؛ كما جاء في الحديث:(يبعث يوم القيامة، اللون لون الدم والريح ريح المسك) فقالوا كذلك من مات متلبساً بعبادة فإنه يبعث يوم القيامة عليه أثر تلك العبادة، والله تعالى أعلم.