[الغسل يوم الجمعة ووقته عند العلماء]
فيقول المصنف رحمه الله: [وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه أن معاوية رضي الله عنه قال له: (إذا صليت الجمعة فلا تصلها بالصلاة حتى تتكلم أو تخرج؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ألا نصل صلاةً بصلاةٍ حتى نتكلم أو نخرج) رواه مسلم] .
المؤلف لما جاء بحديث: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) أراد أن يبين لنا البعدية هذه بما جاء عن معاوية رضي الله عنه في قوله لمحدثه: لا تصل نافلة بالفريضة، وبيّن له أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصل نافلة بفريضة حتى تتكلم بكلامٍ خارج عن الصلاة يعلن انتهاءها، أو تخرج من المسجد فتصلي في بيتك، وهذا هو الذي أشرنا إليه سابقاً.
[وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام) رواه مسلم] .
هذا المبحث أطال فيه العلماء الكلام، ونصيحتي للإخوة طلبة العلم أن يرجعوا في هذا المبحث إلى فتح الباري.
وسنأخذ الحديث كلمة كلمة، وتحت كل كلمة مبحث كامل.
قوله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل) : الغسل معروف بصورته وهيئته، وفي بعض الروايات: (كغسل الجنابة) ، حتى يرفع احتمال الوضوء؛ لأن الغسل والوضوء كلاهما يدخل في عموم النظافة، فقوله: (من اغتسل) يراد به الغسل الكامل الشبيه بغسل الجنابة.
قوله: (اغتسل ثم أتى) ، ثم للعطف والترتيب والتراخي، فيبحث العلماء في وقت الغسل يوم الجمعة.
وقد جاء في صحيح البخاري ما يشعر بأن الغسل يوماً في الأسبوع حق على كل مسلم، ويأتي الحديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) ، وعقد العلماء البحث في: هل الغسل لليوم أو للجمعة؟ فقال داود الظاهري وابن حزم: الغسل لليوم، فمن اغتسل بعد الفجر أو قبل غروب الشمس أجزأه.
وجاء في صحيح البخاري: (حق لله على كل مسلم أن يغتسل لكل أسبوع مرة) ، فالإسلام دين النظافة، وهذا الحديث يجعل هذه الطهارة طهارة واجبة ولو لم تكن جنابة.
وفي رواية لـ مالك: (ثم راح) بدل: (أتى) فالغسل قبل الرواح، فلو اغتسل بعد الفجر ثم -بعد التراخي- نودي للصلاة فذهب فإنه يصدق عليه أنه اغتسل ثم راح.
وقد وقع الخلاف في تعيين الوقت الذي يغتسل فيه؛ لقوله: (اغتسل ثم أتى الجمعة) ، والإتيان يصدق على أي جزء من النهار قبل الجمعة، ومالك رحمه الله قال في قوله: (ثم راح) ، إن الرواح والغدو اسمان للسعي قبل الزوال وبعده، فيقال للزمن قبل الزوال: الغدو، ويقال لما بعد العصر العشي، ويقال لما بعد الظهر: الرواح، وبعضهم يقول: العشي يدخل من بعد الزوال، فرواية مالك: (ثم راح) تدل على أن الغسل يكون قبل أول النداء، وأن يذهب بهذا الغسل إلى الصلاة، أي أنه إن اغتسل في أول اليوم ثم انتقض وضوؤه سن له أن يجدد الغسل ويصلي الجمعة بطهارة الغسل؛ لأن الرواح يكون بعد الزوال، فيغتسل ويذهب، وسيأتي عند مالك أن الساعة الأولى والساعة الثانية ساعات لغوية، أي: لحظات متقاربة تبدأ من بعد الزوال.
والجمهور على أنها ساعات توقيتية، والنهار اثنتا عشرة ساعة، والساعة الأولى من النهار والثانية منه مقدرة على الساعة الزمنية التوقيتية.
فقوله: (ثم أتى) يصدق على الإتيان للجمعة في أي وقت قبل النداء، ولذا قال الجمهور: من اغتسل بعد الفجر من يوم الجمعة أجزأه، ويقول مالك: لا يكون الغسل إلا عند الرواح للصلاة، فيصلي به الجمعة، وسيأتي زيادة إيضاح لهذه المسألة.
وفي قوله: (ثم أتى الجمعة) يقال: هل الإتيان للجمعة أم لمكان الجمعة؟ فهما متلازمان، فالجمعة لا بد لها من مكان، والمكان لأجل الجمعة، فيقال: أتى إلى المسجد في صلاة الجمعة.