قالوا: لو أن إنساناً، تخير ثوباً يكون لكفنه من الثياب المعتادة، سواء أكان إزاراً ورداء أو قميصاً يلبسه، ثم لبسه ليصلي فيه عدة صلوات، ثم خلعه وركنه ليكون كفنه، وتكون صلاته فيه من باب التبرك ويشهد له، سئل أحمد رحمه الله عن ذلك قال:(لا بأس) وكذلك ما سيأتي عنه صلى الله عليه وسلم أنه أعطى قميصه لـ عبد الله بن عبد الله بن أبي من أجل أن يكفن فيه والده، هذا من سبيل التبرك أو على ما سيأتي العلة مع ابن أبي بأنه كان قد كسى العباس قميصاً حينما جيء به أسيراً من بدر، سيأتي الكلام عليه في محله.
لكن قالوا: لو أن الإنسان اختار ثوباً لكفنه وعمل فيه من القربات، ثم كفن فيه لذلك فلا مانع.
وقد كان كثير من الحجاج قديماً يأتي بكفنه معه من بلده، وذلك لشدة الخوف وعدم الأمان فإذا مات في الطريق كان كفنه معه، وبعضهم كان إذا كتب الله له السلامة يغسله بماء زمزم، ويأخذه معه ويبقيه ليكفن فيه بعد أن غسل بماء زمزم، يفعلون ذلك للتبرك، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الحالات، من ذلك ما ذكر عنه صلوات الله وسلامه عليه، أنه في يوم بارد شديد البرد، أهديت إليه شملة، مثل الرداء على كتفيه، فقال رجل من الحاضرين (اكسنيها يا رسول الله! فأخذها وأعطاها إياه، فقالوا له بعد ما ذهب النبي: تطلبها من رسول الله وأنت تعلم أنه في حاجتها وتعلم أنه لا يرد سائلاً؟ قال: والله ما طلبتها إلا لتكون كفني) أي ليكفن فيها، وعلى هذا لا مانع أن يتخذ الإنسان الثوب في العبادة.
ونعلم أيضاً ما كان في معتقد الجاهلية بقياس العكس، قبل الإسلام كانوا إذا أراد الإنسان أن يطوف وهو محرم، يعتقدون بأن الثياب التي عليهم، شاركت وحضرت ما ارتكبوا من الآثام من سفك الدماء وأكل الحرام وو إلخ، فيعتقدون بأن من أراد أن يخرج من ذنوبه، يجب أن يفارق هذا الثوب عند الطواف؛ لأن الثوب قد دُنس بتلك الذنوب، فكانوا يطوفون عراة، إلا من كان عنده سعة، فيشتري ثوباً جديداً لم يلبس ولم يدنس بمعصية، فيطوف به، فإذا انتهى من طوافه، خلعه وجعله عند الكعبة، وكان لسدنة البيت، أو يأتي إلى شخص من سدنة البيت ويستعير منه ثوباً يطوف فيه، بناءً على أن سدنة البيت لا يرتكبون الذنوب فثيابهم طاهرة، إذاً كانوا يعتقدون بأن ملابسة الشر في الثوب تؤثر عليه، وكانوا يعتقدون بأن الثوب الذي لم يشارك في معصية، يكون أولى بطوافه، فما بالك إذا كان يشارك في الطاعة، نحن نذكر ذلك من تأثير المعتقدات في أثر الثياب الذي يشهد الخير والذي يشهد الشر.
وعلى هذا ما ذكر عن أحمد رحمه الله تعالى حينما سئل عن الرجل يلبس الثياب ليصلي فيه ثم يجعله كفناً له، قال: لا بأس، لكن لا يطيل اللبس حتى يدنسه، أي يوسخه.
لا؛ لأن السنة أن يكفن الإنسان في ثوبين أبيضين جديدين أو نظيفين غسيلين، كما يتعلق بالإحرام، فما ينبغي أن يبدأ إحرامه في ثياب مدنسة، إما أن تكون جديدة نقية، وإما أن يحتفظ به ويغسله ويحرم فيه كل سنة، فلا مانع في ذلك، هذا ما يتعلق بنوعية الكفن، والسنة فيه الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.