[هل المقصود بأهل القرآن عموم أمة الإسلام أم أهل القرآن وخاصته؟]
أهل القرآن من هم؟ أهل التوراة من هم؟ أهل الإنجيل من هم؟ كما جاء في ضرب المثلين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ.
} [الفتح:٢٩] ، أي: ضرب المثل في التوراة لأهل التوراة، وفي الإنجيل لأهل الإنجيل، فبعض العلماء يحمل ذلك على عموم من ينتمي إلى أمة القرآن، تمييزاً لهم عن أمة التوراة، وعن أمة الإنجيل، فيكون هذا النداء موجهاً للأمة بكاملها؛ لأنها أمة القرآن.
وهناك من يقول: لا، أهل القرآن الذين حفظوه واشتغلوا بعلومه، وكانوا من أهل القرآن تلاوة وعلماً وعملاً، فإذا حملناه على العموم فهو كالعموم المتقدم: (الوتر حق) فإذا حملناه على الخصوص كان لخصوص الفقهاء والعلماء، وإذا حملناه على العموم فهو يضاف إلى الأحاديث التي يستدل بها على وجوبه: (أوتروا) وإذا حملناه على الخصوص خرج عن كونه للوجوب؛ لأن الواجب يعم حملة القرآن وغير حملة القرآن، والجمهور على أن المراد بأهل القرآن حملة القرآن.
ولماذا يخصهم؟ قالوا: لأنهم هم الأولى بذلك، وهم الأحرى بأن يلتزموا بسنن العبادات مع فرائضها، وهم الأولى بأن يكونوا القدوة لغيرهم؛ إذاً: على العلماء واجبات أكثر من العوام، وعلى أهل القرآن مسئوليات أكثر من غيرهم، ولما كانت وقعة اليمامة ورجع بعض الناس، وثبت فلان وقال: (ما هكذا كنا مع رسول الله، يا أهل القرآن هلموا) ، وكذلك صلى الله عليه وسلم لما كان في غزوة حنين، ورجع الناس عندما فاجئوهم بالنبل، قال للعباس: (ناد: يا أهل بيعة الرضوان!) لماذا خصهم؟ لأنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على الموت، وعلى ألا يفروا، وهذا وقتهم، فلما نادى كذلك رجعوا وتجمعوا عنده صلى الله عليه وسلم، وأعادوا الكرة ونصرهم الله.
إذاً: اختصاص أهل بيعة الرضوان بالنداء يوم حنين في تلك الشدة لأنهم أخص الناس وأولاهم بذلك؛ ولأنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت في سبيل الله، أو على ألا يفروا، والآن قد فروا فليرجعوا.
وأقرب ما يحمل عليه الحديث أن أهل القرآن هم حملته، وقد يقال لهم: القراء، وكلما كان الإنسان طالب علم أو أقرأ لكتاب الله كان أدعى وأولى بأحكامه، وبالله التوفيق.
قوله: (فإن الله وتر يحب الوتر) .
هذا التذييل: (فإن الله وتر يحب الوتر) هذا الحديث يجرنا إلى الحديث عن أسماء الله الحسنى بكاملها، فإن الله وتر، ولما كان وتراً يحب الوتر، لا نقول: للمجانسة، ولكن لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا أخرجنا ذات المولى سبحانه، وجئنا إلى المخلوقات، وجدنا أن الأجناس تتجانس وتتآلف في وحدة الجنسية، فأيما جنس لقي جنسه تآلف معه؛ لأن وحدة الجنس تجمعهم، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك كله، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وتر) هذه جملة مكونة من مبتدأ وخبر، وليست على سبيل الحصر، ولكنها مشعرة بأنه لا وتر إلا الله، وبأن جميع الكائنات زوجية مزدوجة، والله خلق جميع المخلوقات، ولنبدأ من أرقاها وهو الإنسان، ثم عالم الجن، ثم الحيوان، ثم النبات، ثم الحشرات، فنجدها تعيش مزدوجة، ما بين ذكور وإناث، وكذلك المخلوقات الأخرى، حتى الجمادات نجدها مزدوجة وليست وتراً، وكما أشرنا إلى ما يقول علماء الذرة بأن الذرة لها نواة، وهو الجزء الذي لا يتجزأ عند المناطقة الجوهر الفرد، والآن قد فجروا هذا الفكر، ووجدوا بأن النواة التي يتكون منها كل جرم سواء كان معدنياً أو كان حجرياً أو كان غير ذلك، فإن تلك النواة وهي نهاية الجزء في هذا الجرم تتكون من جزءين، وفيها قطب سالب وموجب.
إذاً: كل الكائنات زوجية، ولها أجزاء يكمل بعضها بعضاً، ولولا الجنس المزدوج في بني آدم لما وجد الإنسان، ولو بقي أبونا آدم على ما هو عليه ما جاء أحد إلى الدنيا، ولو ذهب أبونا آدم وجاءت حواء وحدها ما كان أحد على وجه الدنيا، اللهم إلا القدرة الإلهية تظهر في آحاد البشر، كما جاء في مريم عليها السلام، فالله عز وجل جعلها آية، ونفخ فيها من روحه، فجاءت بعيسى بلا أب، هذه آحاد بيان القدرة، حتى لا تكون عادة أو تنسب إلى الطبيعة، فإن الله خلق آدم من تراب، وأيضاً ليس من تراب وحده، بل ماء وتراب، وليس من التراب فحسب ولا من الماء فحسب، بل من عنصري الماء والتراب، ثم خلق حواء من ضلعه ولحمه ودمه، ثم تناسل الناس من هذين الأبوين، وهكذا النباتات والطيور والحيوانات والحشرات إلى غير ذلك، والله وحده سبحانه هو الوتر.
إذاً: فإن الله وتر يحب الوتر، فإذا كان الله يحب الوتر: (أوتروا يا أهل القرآن) إذاً: الوتر واجب أم سنة؟ سنة الله سبحانه وتعالى يحب كل العبادات (ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) إذاً: كل العبادات محببة إلى الله، والوتر بخصوصه؛ لأنه ليس فرضاً لازماً، ويأتيه الإنسان تطوعاً، فمحبة الله إياه حملت العبد بحبه لله أن يأتي بالوتر.