والتيمم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، فلا حاجة إلى بحث جوازه أو مشروعيته، وقد بدأ المؤلف رحمه الله تعالى بشيء من بيان المشروعية مع خصوصيات المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومنها: حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي) ، قوله:(أعطيت) فعل مبني للمجهول، أو لنائب الفاعل، ومعلوم أن الذي أعطاه هو الله سبحانه وتعالى، بدليل قوله:(لم يعطهن أحد قبلي) ، وقد اعتبروا هذه الخمس من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحصر ما أعطيه دون الأنبياء في الخمس، وإنما قال:(أعطيت خمساً) ، ويمكن أن يعطي خمساً أخرى أو عشراً، ولهذا ذكر السيوطي أنه عد ما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم فوصل إلى مائتي صفة، وذكر ابن حجر في فتح الباري ثمانية بنصوصها.
وهناك أمور تمر على الإنسان وقد لا يعلم أنها من خصائصه صلى الله عليه وسلم، والقاعدة في بيان خصائصه: إما أن يأتي النص عليها، كما جاء في الواهبة نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد جاء القرآن بالتنصيص:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[الأحزاب:٥٠] ، فهذا نص قرآني على أن هذه الصورة من صور الزواج خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي أن المرأة إذا رغبت في زواجها من رسول الله، فجاءت ووهبت نفسها لرسول الله، فإنه يحق له أن يتزوجها بدون صداق ولا ولي ولا شهود، وهذا من خصائصه، قيل: لأن الولي لا حاجه إليه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أما غيره فلا يحق له أن يتزوج امرأة بالهبة كما هو معلوم.
ونرجع إلى الخمس المذكورة في هذا الحديث، فنجد أنه صلى الله عليه وسلم استهل حديثه بقوله:(أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي) ، وفي رواية:(أحد من الأنبياء قبلي) ، وإذا كان لم يعطهن أحد قبله فهل يعطى أحد بعده شيئاً منها؟ الجواب: لا؛ لأن الرسالة انتهت، والعطاء والإكرام من الله سبحانه وتعالى بتخصيص فرد من الأفراد بشيء لم يكن لغيره قد انتهى أمره، اللهم إلا أمور ليست في التشريع، كما قالوا عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم: أنه كانت تمر به الملائكة فتسلم عليه وكان يراها، فحدث، أن اكتوى، فامتنعت الملائكة عن التسليم عليه، وعن رؤيته، فلما ترك الكي عادت إليه، وقال: قد عاد إليَّ ما كان أولاً.
وكذلك العباس رضي الله تعالى عنه لما جاء إلى بيت رسول الله، واستأذن على رسول الله فلم يأذن له، والباب مفتوح، وهو يراه في داخل البيت، فغضب العباس، وكان في بني هاشم نوع حدة، فجاء راجعاً إلى بيته، فقال له عبد الله: لا تغضب يا أبي! لعله مشغول عنك بالرجل الذي كان يتحدث معه، فقال: وهل معه رجل؟ قال: بلى، قال: ما رأيته، فرجع العباس مرة أخرى، فاستأذن على رسول الله فأذن له، فدخل وقال:(ما شأنك يا ابن أخي استأذنتك أولاً ثلاث مرات فلم تأذن لي، وقال لي الغلام: إنه كان عندك رجل تحادثه؟ فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى ابن عباس وقال: أرأيته يا غلام؟ قال: بلى، قال: ذاك جبريل كان عندي آنفاً) ، فهذا قد يكون من خصوصياته، ولكن وجدنا في مجلس عام في حديث عمر:(بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل) ، وذكر من صفاته، فهذا في مجمع عام، وفي النهاية قال لهم صلى الله عليه وسلم:(هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم) .
فقد يخص الله بعض العباد ببعض الخصائص التي ليست للآخرين، كإجابة الدعوة، فليس كل إنسان مجاب الدعوة، ولكن يوجد من بعض عباد الله الصالحين كما قال صلى الله عليه وسلم:(لو أقسم على الله لأبره) .