[الحث على الوصية بالخير عند الموت]
قوله: (إن الله تصدق عليكم، بثلث أموالكم، عند وفاتكم، زيادة في حسناتكم، أو زيادة في أجوركم) هذا الحديث على ما فيه من ضعف في السند، يقول العلماء: في هذا تفضل من الله على العبد بأن أكرمه الله بهذا في آخر حياته، ليُعمل به بعد وفاته فيكون فيه زيادة في أجره وهو ميت.
وقوله: (إن الله تصدق) ما قال: أعطى، أو سمح، وإنما قال: (تصدق) .
والصدقة في عرف اللغة والشرع هي: تمليك الغني للفقير بدون عوض.
فما وجه الشبه بين الصدقة وبين السماح للميت بالوصية في حدود الثلث عند موته؟ الذي يظهر من الجو العام والسياق النبوي الكريم هو: أن محل الصدقة هنا أنها صدقة من الله، فهو سبحانه تصدق عليكم بأموالكم التي في أيديكم، فإن قيل: كيف يتصدق علينا بما في أيدينا؟ قلنا: نعم.
من جهتين: الجهة الأولى: أن المريض إذا وصل إلى مرض الموت منع من التصرف في ماله، وأصبح المال مال وراث، فلما لم يصبح له ملك في المال، وجاءه ثلث ماله، كان هذا الثلث بمثابة الصدقة؛ لأنه قد منع من التصرف فيه، وأصبح غير ملك له، ومنع من أن يتصرف في أي جزئية منه، لكن الله سمح له بالثلث، فكأنه تصدق عليه بالثلث بعد أن منع منه.
الجانب الثاني: المال في أيدي الناس حقيقة هو مال الله، يعطيه من يشاء، ويحرمه من يشاء، قال سبحانه وتعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:٣٣] .
إذاً: حقيقة الأموال التي في أيدي الناس سواء كانت نقداً أو متاعاً أو طعاماً أو لباساً أو مساكن أو مزارع، كلها لله، فهو يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، وبيده الخير سبحانه.
إذاً: هو المالك لمالك الذي في يدك، وإنما أنت متصرف فيه بما شرع لك، فلما كفت يدك وكان المال هو مال الله، قال: خذ ثلث مالك وتصدق به عن نفسك زيادةً في أجرك الذي عملته قبل الموت.
إذاً: الثلث هذا هل هو عمل قبل الموت أم بعد الموت؟ الجواب: عمل بعد الموت؛ زيادة في أجوركم، فمهما عملت في حياتك من أعمال الخير، البدنية والمالية، والمشتركة بينهما وفعلت وفعلت فإن كل ذلك مسجل لك في صحيفتك، وعندما يأتي الموت تختم الصحيفة فيقال لك: لا.
افتح اعتماداً جديداً صدقة عليك، فيكون تصريفك لهذا الثلث زيادة في أجرك -أجر عملك الذي علمته قبل أن يأتيك الموت- ويستمر أجر هذا الثلث الذي أنفقته بعد وفاتك.
إذاً (زيادة لكم في أجوركم) هذا كما في الحديث الآخر (إذا مات الإنسان انقطع عمله.
صدقة جارية) .
والله سبحانه وتعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.