ما حد التأخر وما حد التقدم؟ وما هي المساحة التي تكون بين الصف الأول والإمام، وبين الصف الأول والذي يليه؟ معلوم أن أقل ما يمكن هو ما يتسع لسجود المصلين في الصف من غير تضييق.
ولذا قال العلماء فيما يتعلق بسترة المصلي: إن موقعها بينه وبين موقفه ثلاثة أذرع، أي: من قدمه إلى موضع سجوده؛ لأن هذه المسافة هي التي يتأتى للمصلي أن يتحرك فيها بيسر.
وعليه قالوا: السنة فيما يكون بين الصفوف من الفراغ هو قدر ما تكون السترة من المنفرد، أي أن عليه أن يجعل بينه وبين الصف الذي أمامه قدر ما يجعل المنفرد بينه وبين سترته، أي: ثلاثة أذرع.
ولو أن الصفوف قد ازدحمت فماذا يفعل؟ لقد بوّب الفقهاء باباً فيمن زُحِم يوم الجمعة، فـ عمر رضي الله تعالى عنه أمرهم أن يركعوا ويسجدوا على ظهور بعضهم، فيمكن أن يكون بين الصف والصف طول الفخذ فقط، وهو ذراع، ويسجد على ظهر الذي أمامه، وهكذا في شدة الزحام.
ثم ذكر الفقهاء أيضاً أنه إذا لم يستطع أن يصل إلى الأرض ليسجد فإنه ينتظر حتى يقوم الصف الذي أمامه ويسجد، ثم ينهض فيدرك الإمام.
فهذه مسائل في صلاة الأعذار، ولكن الذي يهمنا الآن في تنظيم الصفوف، فالواجب على المأمومين أن يتراصوا مع إمامهم، ولا تكون هناك الفجوات الطويلة بين الصف والإمام.
وربما تجد في بعض المساجد من يصف دون الصف الذي أمامه بمسافات ومراحل تزيد على عشرة وعشرين وخمسين متراً، وهذا لا يجوز، لقوله صلى الله عليه وسلم:(تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم) ، أي: تقدموا فاقتدوا بي، وليقتدِ بكم من وراءكم.
وتجد بعض الأحيان الإمام في المحراب والصفوف وراءه، ثم تجد صفاً بينه وبين الصف الذي يليه عشرات الأمتار، فلا يجوز ذلك ولا ينبغي، وليس من سنة الجماعة هذا العمل.
فتسوية الصف أولاً، ومراعاة الإمام للمأمومين، وقد كان صلى الله عليه وسلم يرسل بلالاً يمر بين الصفوف يعدلها، وكان بلال يقول:(لا تسبقني بآمين) ، حيث يكبر صلى الله عليه وسلم ويقرأ، وبلال يتخلل الصفوف لينظر المتخلف أو المتقدم أو المتأخر ليعدله، فيقول للرسول صلى الله عليه وسلم:(لا تسبقني بآمين) أي: إن فضل آمين فضل عظيم، ولا أريد أن أسبق به وأنا أؤدي المهمة.