بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المصنف رحم الله: [وعن حمران (أن عثمان دعا بوضوء، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا) .
متفق عليه] .
أصل مشروعية الوضوء الكتاب والسنة والإجماع، فجاء في الكتاب في قوله سبحانه:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة:٦] ، وهكذا جاء القرآن بالأمر بغسل هذه الأعضاء الأربعة، ولكن سنجد في صفة الوضوء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصور والكيفيات ما هو زائد عن كتاب الله، فالزائد عن كتاب الله نسميه سنة، والسنة من الوحي، كما جاء عن السيوطي أنه قال: الوحي وحيان: وحي أمرنا بكتابته، وتعبدنا بتلاوته الحرف بعشر حسنات، ووحي لم نؤمر بكتابته، ولم نتعبد بتلاوته، ألا وهو سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فما يأتينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواءٌ في الوضوء أم في الصلاة فإنه وحي، ويجب العمل به على مراتبه، ولا يحق لأحد أياً كان أن يزيد أو أن ينقص، وليس لإنسان أن يرد سنة جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: لم نجد هذا في كتاب الله! بل كل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتت الرواية عنه به فهو في كتاب الله، أو فهو من كتاب الله، كما جاء عن عبد الله بن مسعود أنه كان في المسجد وحدث، فمما جاء في حديثه تلك الليلة قوله:(لعن الله في كتابه الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة) ، فمرت امرأة ووقفت فسمعت هذا وذهبت، ثم جاءت ووقفت عليه في حلقته وقالت: لقد قرأت القرآن من دفته إلى دفته فلم أجد ما قلت فيه! فاحتجت عليه بالقرآن، فقال: لو كنت قرأتيه لوجدتيه، فلم ينف عنها القراءة، لكن أخبرها أنها لو قرأته بإمعان وتأملت كل ما فيه لوجدت ذلك، ثم قال لها: ألم تقرأي قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}[الحشر:٧] ؟ قالت: بلى.
قال: هذا مما أتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقام الشافعي رحمه الله في مكة وقال: ايا أهل مكة! أنا من الراسخين في العلم -وهذه دعوه كبيرة والله- سلوني عمَّا شئتم أجبكم عنه من كتاب الله فقام رجل -وكما يقال: لا يفل الحديد إلا الحديد- فقال: أخبرنا عن المحرم يقتل الزنبور ماذا عليه في كتاب الله؟ -الزنبور: الدبور مثل النحلة، ويلسع أشد منها- فقال: نعم.
يقول الله سبحانه وتعالى:{وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}[الحشر:٧] ، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) -فالقرآن أحاله على رسول الله والرسول أحاله على سنة الخلفاء الراشدين- ثم قال: وحدثني فلان عن فلان -وذكر السند- عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن المحرم يقتل الزنبور ماذا عليه؟ قال: لا شيء.
فلا شيء عليه في كتاب الله.
وإنما أتيت بهذه المقدمة لأن هناك أموراً تعبدية ليس لنا فيها طريق إلا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم هي مراتب من الندب إلى الإيجاب، فما جاءنا لا ينبغي لعاقل مسلم أن يتردد في مشروعيته وإن اختلف الناس في مرتبته من الوجوب إلى الندب إلى الاستحباب فنبدأ هنا بهذا الحديث، ولعله أجمع الأحاديث في فروض الوضوء.