الذي حصل في قصة عمر أنه كان جالساً فسمع صياحاً، فقال: يا يرفأ! -غلام له- انظر ما هذا الصياح! فذهب فوجد امرأة بيعت دون ولدها، باعها سيدها ولم يبع ولدها؛ لأن ولدها حر، إذ أنه من رجل حر، ولو حملت من غير سيدها فإن الولد يكون مملوكاً، أما إذا حملت منه فولده يصير حراً، وأمه تتحرر بموت السيد، فقال: إن أم ولد تباع، والصياح بين ولدها وبينها! فقال عمر رضي الله تعالى عنه: ادع لي من كان هنا من قريش.
فجمعهم وقال: هل ترون الإسلام جاء بقطعية الرحم أم أنه جاء بوصلها؟! قالوا: جاء بوصلها، قال: أرأيتم لو أن أحدكم من أم ولد وبيعت أمه وفُرّق بينهما أيقبل ذلك؟! قالوا: لا، قال: إذاً: لا تباع أم ولد بعد اليوم، ونهى عن بيع أمهات الأولاد.
وإذا نظرنا إلى أمهات الأولاد فإننا نجد أن النهي عن بيعهن؛ لأنهن اقتربن من الحرية، فمتى مات سيدها تحررت وصارت حرة، لكن هناك شيء آخر: إذا اشترى الإنسان الأمة ومعها أولادها -من غيره- أو أنه زوجها لعبد، أو لحر، وأنجبت، فأولادها في الرق يتبعونها في ذلك، فأراد أن يبيعها، فقد جاء النهي عنه صلى الله عليه وسلم أن يفرق بين المرأة وولدها -أي: الأمة وولدها- أو بين الأخ وأخيه، قال: إما أن يباعا معاً -الأمة والولد- وإما أن يبقيا معاً؛ تجنباً لقطيعة الرحم، وقاس العلماء زيادة على ذلك: كل ذي رحم لا يجوز أن يفرق بينهما.
وقال الآخرون: النص موجود في الأمة وولدها، والأخ مع أخيه فقط.
وهل هذا النهي عام يتناول جميع مراحل العمر أم أنه خاص بما دون البلوغ؟ قال البعض: إذا ما بلغ الولد وأصبح مستقلاً، فلو بيعت أمه وحدها فلا مانع؛ أما دون البلوغ فلا يجوز؛ لأنه ما زال صبياً، وهو في حاجة إلى أمه، وعطفها عليه.