في علم أصول التفسير أن الله سبحانه وتعالى قد يوحي إلى رسوله بوحي غير القرآن، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) فهذا النفث في الروع وحي من الله، وهذا القدر قد يشارك فيه بعض عباد الله الصالحين.
قضية الوفد الذين مروا على قوم من المشركين واستضافوهم، قالوا: اذهبوا عنا، فقد جئتم من عند هذا الصابئ، ليس لكم عندنا شيء.
فتنحوا عنهم جانباً ونزلوا، فسلط الله عقرباً على سيد الحي فلدغته، فقالوا: اذهبوا إلى هؤلاء لعل فيهم راقياً، فجاءوا وقالوا: هل فيكم من راقٍ؟ فقال رجل: نعم، أنا أرقي، ولكني لا أرقيه لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، لقد طرقناكم مروءة القِرى -الضيافة- فامتنعتم، فجعلوا له جعلاً من الغنم، فقرأ عليه فاتحة الكتاب، فقام كأنه نشط من عقال، وجاء يسوق الغنم، فلما جاءهم بها قالوا: ما هذا؟! قال: رقيت الرجل بالفاتحة.
قالوا: كيف تأخذ على قراءة القرآن هذا الأجر؟ ثم قالوا: لا نقتسم.
وأبقوه معهم حتى رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:(اقتسموه واجعلوا لي معكم سهماً، ثم قال له: وما يدريك أنها رقية؟ -هنا محل الشاهد- قال: شيء نُفث في روعي) أي: أحسست في نفسي ببصيرة وبإلهام من الله، وبحالة إحساس لا شعوري بأن الفاتحة تشفيه، فقرأت فشفاه الله.
ويقولون: إن سورة: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:١](اتكأ صلى الله عليه وسلم في المسجد ذات مرة، ثم تنبه يتبسم، قالوا: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفاً سورة هي أحب إلي من كذا وكذا {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:١] ) فبعض علماء التفسير يقولون: أعطيها نفثاً في روعه، والآخرون يقولون: لم ينزل من القرآن شيء إلا بالوحي المعتاد: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}[الشورى:٥١] فقالوا: إن الإغفاءة التي أغفاها صلى الله عليه وسلم ثم انتبه منها ليست نومة، إنما هي من برحاء الوحي، وكان إذا نزل عليه الوحي غشي عليه.
إذاً: قوله: (والتي أمر الله بها رسوله) من أي أنواع الوحي؟ الله تعالى أعلم.