للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن القعود على القبور]

قوله: (وأن يقعد عليها) جاء النهي عن القعود على القبر، وعن الاتكاء على القبر، وعن المشي على القبر، وكل ذلك يؤذي الميت في قبره، بل جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه رأى رجلاً لابساً نعلين سبتيتين فقال: يا صاحب السبتيتين قد آذيت) فخلعهما ومشى حافياً.

وفي الحديث الآخر: (إن الميت ليسمع حفيف نعالكم) .

فبعضهم قال: الأولى: إذا دخل المقبرة أن يخلع نعليه، لئلا يطأ على فتات بعض الموتى عند المشي، أو احتراماً للموتى، وذلك أنا نعلم أنه إذا كان مجموعة من الرجال جلوس، وجاء شخصٌ صغير السن، أراد أن يمر ويجتازهم، وكان لابساً نعلين، فإنه يخلعهما ويحملهما في يديه حياءً من الحضور الكبار، واحتراماً لهم، وكما لو مر على جماعة من كبار الناس وهو راكب، فإنه ينزل ويقود مطيته حتى يتجاوزهم، وهذه عادات وآداب أخلاقية ريفية موجودة حتى الآن، فبعضهم يقول: خلع النعلين احتراماً وتوقيراً وتكريماً.

أما النهي عن القعود فباتفاق أن القعود صريح في معنى الجلوس، بقرينة النهي عن الاتكاء عليه، فكانوا في حالة دفن الميت فجلس إنسان واتكأ على القبر، فنهوه عن ذلك فقالوا: لا تؤذِ الميت باتكائك عليه، وهذه القرينة -قرينة النهي عن الاتكاء- تنفي وتمنع تفسير من فسر النهي عن الجلوس على القبر بالجلوس لقضاء الحاجة.

فالنهي عن الجلوس على القبر هو القعود للاستراحة، وقد جاء الحديث: (لئن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه وتخلص إلى جلده، خيرٌ له من أن يجلس على قبر) إذاً: النهي عن القعود إنما هو للجلوس والاستراحة، وليس المقصود قضاء الحاجة، وصرفه إليها بعيدٌ جداً؛ لأن هنا نهياً عن الجلوس، ونهياً عن الاتكاء، ونهياً عن المشي، ولكن إذا كان هناك مكانٌ للدفن، ولا طريق إليه إلا أن نتعدى على تلك القبور فماذا نفعل؟ فلابد أن نمشي على تلك القبور لنصل إلى موضع الدفن، قالوا: فحينئذ تكون ضرورة، فيجوز.

فعلى هذا لا ينبغي للإنسان إذا أتى إلى البقيع وشيع جنازة، وانتظر دفنها، أن يطأ قبراً، ولا يتكئ عليه، ولا يجلس عليه.

تقدم لنا الحديث أنه لا يجلس حتى توضع، أي: توضع عن أكتافهم على حافة القبر، ثم توضع في القبر ويبدءون في الدفن، وبعد ذلك يجلسون، حتى يفرغ الذين يتولون الدفن من عملية الدفن، ثم يتلقى أهل الميت العزاء.

أكرر فأقول: تلك الفترة وتلك الجلسة، لا يكون جلوسه على قبر، ولا اتكاؤه إلى قبر؛ فهذا هو محل النهي.