يقول صلى الله عليه وسلم:(لا تقدموا -أو لا تتقدموا، المعنى واحد- رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) مثلاً: كان لك أمر مهم جداً، ونذرت لله إن قضاه الله لك فثاني يوم تصوم، ولا تدري متى يأتي، ولا متى يقضى، فقضي لك يوم السابع والعشرين من شعبان، ففي الغد سيكون يوم ثمان وعشرين، وفي الحديث:(لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين) ، لكن يجوز لك الصيام بصفة خاصة؛ لأنك ستصوم قبل رمضان بيوم أو بيومين لا لرمضان، وإنما لنذرك الأول الذي التزمت به، فلا دخل لصومك مع رمضان.
إذاً: لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إذا كان نافلة في شعبان، فهذا ممنوع؛ لأنه إذا فتح باب النوافل قبل رمضان بيوم أو يومين، واستمر الناس على ذلك؛ سيظن الناس بعد زمن طويل أن اليوم واليومين من رمضان، فيزيدون فيه، والزيادة مرفوضة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:(إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) ، لا يتطوع من نصف شعبان، من خمسة عشر شعبان إلى رمضان لا يتطوع، إلا إذا كانت له نافلة ثابتة، كان يصوم الإثنين والخميس، والإثنين والخميس ستأتي في الأسبوع الأخير من شعبان، فيصوم؛ لأنه صامه على نافلة سابقة، أما إذا كان لا يصوم الإثنين والخميس، ولا كان يصوم نوافل، ويوم أن انتصف شعبان قال: أريد أن أصوم، نقول له: لا.
وقد جاء التشديد كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم، ونبقى مع حديث:(لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين) .
جميع أركان الإسلام محفوفة بزمن، فمثلاً: الصلاة قال الله عنها: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}[الإسراء:٧٨] ، {كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:١٠٣] فلا يصح أن تصلي قبل دخول الوقت، ولا يجوز لك أن تؤخرها حتى يخرج الوقت، فإن خرج الوقت تكون قضاءً وليست أداءً، كذلك الحج قال الله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة:١٩٧] ، وكذلك الزكاة {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام:١٤١] ، وفي الحديث:(إذا حال عليه الحول) ، وبعض العلماء يقول: لا يجوز إخراج الزكاة قبل حولان الحول؛ لأنها لم تجب، ومالك يقول: يجوز تقديمها لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من العباس زكاة سنة مقبلة، فأخذ منه زكاة السنة المقبلة لحاجة طرأت، وهذه على غير العادة.
فجميع الأركان محددة ومقيدة بزمنها، فرمضان مقيد بالزمن، وقد حدث في الأمم الماضية أنهم صاموا اليوم واليومين المنهي عنهما هنا، وقالوا: نصوم يوماً قبله احتياطاً له، ونصوم يوماً بعده احتياطاً له، فكان الصوم الرسمي ثلاثين، وقالوا: للاحتياط نصوم يومين: يوم في الأول، ويوم في الآخر، ومضى الزمن، وطالت المدة، فدخل الاحتياطي في الأصل، وصار الصوم الرسمي اثنين وثلاثين، ثم جاء من بعدهم وهم لا يعلمون بدخول الاحتياطي، وظنوه أنه رسمي، فقالوا: نصوم قبله يوماً احتياطاً، ونصوم بعده يوماً احتياطاً، فصاموا أربعة وثلاثين يوماً، اثنين وثلاثين رسمي، ويومين احتياطاً، فطال الزمن حتى دخل الاحتياطي الثاني في الرسمي، وظن الناس أن الصوم أربعة وثلاثون يوماً، فقالوا: فلنحتاط، فصاموا يوماً قبله ويوماً بعده، وهكذا خمس مرات، حتى زادوا عشرة أيام.
والأهلة تدور مع فصول السنة، فرمضان تارة يأتي في الربيع، وتارة يأتي في الشتاء في شدة المطر، وتارة يأتي في الصيف، وأذكر في هذه البلدة المباركة أن الناس مرة كانوا يصومون ستة عشر ساعة، كان النهار طويلاً والليل قصيراً في شدة الحر.
وبعض الأمم السابقة زادوا في رمضان حتى صار أربعين يوماً، فجاءهم في شدة الحر، فعجزوا عن الصيام، فقالوا: الحر شديد، ونحن لسنا قادرين على صيامه، فننقل الصوم عن الأشهر القمرية إلى الأشهر الشمسية، ونزيد عشرة أيام، فصار خمسين يوماً، وجعلوا الصيام عن أشياء معينة عن كل ما فيه الروح: الغنم والدجاج والسمك، والأشياء النباتية يأكلونها، يعني: صيام لعب، يأكل من النباتيات، ويأكل من الخبز، ويأكل من الفاكهة، فكيف هذا الصيام؟! فعندما أخطئوا بالزيادة في رمضان، وعجزوا عنه، تحيروا ماذا يفعلون؟ فانتقلوا إلى الأشهر الشمسية فضاع عليهم الشهر، فخوفاً من أن تقع الأمة في مثل هذه الخطيئة وضع لرمضان سياج؛ لا أقول: من حديد أو من فولاذ، بل أقوى من ذلك كله، في أوله لا يمكن أن تتخطاه، ممتد إلى السماء، وآخره لا يمكن أن تزيد فيه، فجعل اليوم الذي يشك فيه محرم صومه، فلا يصام المتردد بين شعبان ورمضان، وجعل في نهايته يوم العيد، ويحرم بالإجماع صوم يوم العيد، إذاً: سلم رمضان من الزيادة في أوله، وسلم من الزيادة في آخره، ولهذا -أيها الإخوة- بفضل من الله ونعمة من الله أنه قد تكرر رمضان أكثر من ألف وأربعمائة سنة، ويأتي وكأنه شرع، لا زيد فيه ساعة، ولا نقص منه ساعة، وإنما حفظ بهذه السنة النبوية الكريمة فلا يتقدم بصوم، وكذلك لا يتبع بصوم، ولابد أن يفصل بين رمضان وغيره كما جاء في حديث:(من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) ، ليست متابعة ملازمة، بل لابد أن يفصل بينهما، وأقل شيء بصوم يوم العيد، وإن زاد الفصل فلا مانع، ويهمنا أن هذه السنة النبوية جاءت حفظاً لرمضان عن أن يدخله زيادة في أوله، أو يتبعه زيادة في آخره، (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان له صوم فليصمه) ؛ لأنه إذا كان له صوم يصومه فهو في هذه الحالة سيصوم يوم ثمانية وعشرين أو تسعة وعشرين من شعبان، ولا دخل له في رمضان، إنما يصومه لصومه الذي التزم به، كالنذر يصادف هذا اليوم الثامن أو التاسع والعشرين من شعبان، وبهذا حفظ رمضان، ونحن على هذا النعمة، ولله الحمد.