للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب السؤال تتجلى في سورة الفاتحة]

وكان والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول: لقد علَّم الله سبحانه وتعالى عباده في سورة الفاتحة آداب السؤال، وطلب الحاجة ممن لك حاجة عنده؛ لأن أعظم مسألة للعبد المؤمن هي الهداية إلى الصراط المستقيم؛ لأن الهداية منحة من الله كما قال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦] .

قال: فقد جعل الله في الفاتحة سؤال الهداية، ولكن لم يأت السؤال لها مباشرة، بل على العبد أن يقدم قبلها أنواعاً من القرب والتعظيم والإجلال للمولى كما في قوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة:٢] وبعد أن حمد الله على كمال ذاته وصفاته، يعترف لله بالربوبية للعالمين جميعاً {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] .

ثم يصفه بصفات الجلال والكمال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] ويقولون في معنى هذين اللفظين الرحمان الرحيم: رحمان في ذاته، رحيم في صفاته لعباده، فهو رحمان الدنيا رحيم الآخرة كما جاء في الحديث: (إن لله مائة رحمة، أنزل منها واحدة إلى أهل الأرض بها يتراحمون، حتى إن الدابة لترفع حافرها عن ولدها رحمة به) أي: من هذه الواحدة، واحد في المائة للعالم كله يتراحم بها قال: (وادخر تسعاً وتسعين لعباده المؤمنين إلى يوم القيامة) .

ثم يأتي بقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] ففي الدنيا هو رب العالمين، وهو رحمان رحيم، وفي الآخرة الملك كله يعود إليه كما قال تعالى: {لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:١٦] .

وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥] أي: أنت رب العالمين، والدنيا الآخرة في ملكك تتصرف فيهما كيف شئت، فنحن نعبدك وحدك؛ لأنك الرب المستحق للعبادة.

{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] لأننا ضعاف، ولولا قوة منك وتوفيق منك وهداية منك لنا ما عبدناك.

وبعد هذه المقدمات في التمجيد والتكريم والتعظيم والاعتراف تأتي المسألة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] فأتت المسألة بعد كل هذه الاعترافات والإجلال للمولى سبحانه، وكذلك هنا في قوله: (لبيك اللهم لبيك) أي: أقمت على طاعتك، واستجبت لندائك الذي قلت فيه لإبراهيم: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج:٢٧] .

وقوله: (إن الحمد والنعمة لك والملك) هذا فيه اعتراف كما في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] .

(لا شريك لك) إلى آخر هذه التلبية وهذه الألفاظ الكريمة، وبعد هذه القربى إلى الله: (يسأل الله رضوانه والجنة، ويستعيذ بالله من النار) وهكذا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولهذا يتحرى الإنسان في مسألته أن يكون أقرب ما يكون إلى الله، ومن ذلك بعد العبادات وفيها، ومن ذلك ما جاء في السجود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فاجتهدوا في الدعاء) .