هذا الحديث يبين لنا متى يتحلل المحرم من إحرامه، يقول صلى الله عليه وسلم:(إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء) يقول الفقهاء: التحلل الكامل يكون بفعل ثلاثة أشياء، والتحلل الناقص -أي: التحلل الأصغر كما يسمونه- يكون بفعل اثنين من ثلاثة، وهذه الثلاثة هي: الرمي والحلق والطواف، فهذه الأمور الثلاثة إذا فعلها الإنسان في يوم النحر ولو أخر النحر؛ لأن أيام التشريق كلها أيام نحر، فإذا رمى الجمرة، وحلق شعره، وطاف بالبيت فقد تحلل التحلل كله، وحلّ له ما كان ممنوعاً عليه بالإحرام وجميع ما كان محظوراً عليه، وهذا التحلل لا يشمل الصيد بمكة؛ لأن تحريم صيد مكة هو لحرمة مكة سواءً كان حاجاً أو غير حاج، وأما الصيد في الخلاء فتحريمه خاص بالمحرم، فلو خرج الإنسان إلى خارج حدود مكة ولم يكن محرماً وصاد فلا شيء عليه.
إذاً: التحلل الأكبر من كل شيء يكون بفعل ثلاثة أشياء، والتحلل الأصغر بفعل اثنين من هذه الثلاثة.
وهنا ذكر الرمي والحلق، فلو أنه رمى ولم يحلق ونزل إلى مكة وطاف طواف الإفاضة فكذلك حلّ له ما جاء في هذا الحديث:(كل شيء إلا النساء) وهنا في هذا الحديث ذكر الطيب، وهذا يؤيد حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:(كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم، ولإحلاله حينما يحل) ، قالوا: كيف تطيبه وهو لم يكتمل له التحلل الأكبر؟! لأن كثيراً من الفقهاء يلحق الطيب بالنساء؛ لأن الطيب من شأنه أن يثير الغريزة إلى النساء؟ فقالوا: منع المحرم من الطيب حتى لا تكون هناك عوامل إثارة، وإلا فإن الطيب شيء طيب، ومقبول للنفس، لكن لما كان له هذا الأثر، والمحرم محرم عليه النساء فكان تحريمه سداً للذريعة ومنعاً للإثارة، ولكن هنا يقول صلى الله عليه وسلم:(فقد حلّ له الطيب وكل شيء إلا النساء) .
إذاً: لا يحق للمحرم أن يمس النساء إلا إذا تحلل التحلل الأكبر وفعل الأمور الثلاثة، وعلى هذا إن فعل اثنين من ثلاثة فقد تحلل التحلل الأصغر، وإن فعل الثلاثة كاملة فهو التحلل الأكبر، وأما الحديث الذي عند أبي داود وفيه:(من لم يطف ذلك اليوم رجع كما كان) فهذا الحديث يرد عليه؛ لأنه إذا رمى وحلق فقد حل له كل شيء إلا النساء، ولم يحدد هذا التحلل بزمن من الأزمنة سواءً طاف في ذلك اليوم أو لم يطف، فإذا رمى وحلق وأخر الطواف إلى أن ينتهي من أيام منى فلا مانع في ذلك، فإن له أن يرمي ويحلق ويجلس أيام التشريق كلها في منى ولا ينزل إلى مكة، إذا كان يريد أن ينزل ويطوف طواف الإفاضة ويسافر، فهذا يجزئه حتى عن طواف الوداع، وعلى هذا فتأخير طواف الإفاضة لا يمنعه من أن يتحلل التحلل الأصغر، والتحلل الأصغر هنا سيتحقق في لبس الثياب، ومس الطيب، وتقليم الأظافر، وأما ما عدا ذلك كأمر النساء فهو ممنوع منه، وكذلك الصيد ممنوع منه في مكة.