وهل يمكن للإنسان أن يجمعها؟ لا مانع من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أبواب الجنة الثمانية فقال:(من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب: يا عبد الله! هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام -وهو باب الريان- فقال أبو بكر: ما على الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة.
فهل يدعى أحد منها كلها يا رسول الله؟! قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر!) والحديث متفق عليه عن أبي هريرة.
وهناك حديث آخر:(إذا توضأ المسلم فأسبغ الوضوء، ثم تشهد فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) .
وفي الحديث المتقدم نجد الصديق يسأل: هل يمكن أن تجتمع في فرد واحد موجبات عدة؟ قال:(نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر!) ، ولا شك أنه أولى الناس وأولهم سبقاًَ إلى الجنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الأصناف السبعة المذكورة في الحديث اجتمعت في نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ لأنه ذكر عنه أنه في شبابه نشأ في طاعة الله، وذكر الله عنه أنه دعته امرأة ذات منصب وجمال:{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}[يوسف:٢٣] ، وذكر عنه أنه كان يتصدق، حتى قال بعض المفسرين في قوله تعالى:{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}[يوسف:٧٧] : كذبوا والله، بل كان يأخذ الطعام ويتصدق به سراً، وكان إماماً عادلاً، وكان محباً للخلق، ملازماً للمساجد، ذاكراً لله، قالوا: اجتمعت هذه في نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة السلام، ولم يذكروا غيره، مع أنه ليس من أولي العزم من الرسل.
ولم يذكر لنا تاريخياً أن أحداً من الأنبياء الكرام امتحن بما امتحن به يوسف في قضية امرأة العزيز، فلما اختص بهذه القضية كان أدعى لأن يصفوه بأنه هو الذي اجتمعت فيه الخصال الواردة في هذا الحديث، ولا حرج فهذا فضل الله، ولا نستبعد أن الله سبحانه يكرم بعض الشباب الذين أودعهم الله هذا السر، فينشأ في عبادة الله مع إخوانه أو مع أهل بيته، ثم يكون أيضاً عفيفاً، ويبادر أهله بزواجه مبكراً، ويكون محباً للمساكين يتصدق ويخفي صدقته، ويكون قلبه معلقاً بالمساجد، ثم إذا ولي أمراً كان عادلا ً فيه، لا حرج فهذا فضل الله.