للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الإمام العادل للأمة]

أول هؤلاء السبعة: الإمام العادل، وفي بعض الروايات: (إمام عدلٌ) ، وفي روايات أخرى: (إمام عادل) .

العادل: هو الذي يسوي بين المتفقين: كالزوجين، والخصمين، والشريكين، والصنفين، في القسمة بالوزن والكيل؛ هذا عادل، وهذا الوصف من العدل أو من العدالة يتفق فيه المسلم والكافر؛ لأننا نجد ولاة من غير المسلمين يحكمون بالعدالة في شعوبهم، ونجد معاملات عديدة من غير المسلمين تتصف بالعدالة، وقال صلى الله عليه وسلم حينما وجه أصحابه إلى الحبشة: (لو خرجتم إلى الحبشة؛ فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً) ، وكان النجاشي على دين النصارى، لكنه عادل ذو مروءة، إذاً: تلك الأخلاق يتفق فيها الجميع.

على رواية: (إمام عدل) ، فالعدل: هو من اكتملت فيه أمهات الأخلاق الفاضلة فهو متصف بالصدق، بالأمانة، بالورع، بمخافة الله، بفعل الخير، لا يحابي أحداً على الآخر، فهو عدل في ذاته، قال الله عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:٢] ، أي: ذوي صدق وأمانة ووفاء.

وهذا الإمام العدل: أتظنون أن يكون عادلاً أم غير عادل؟ أيكون عادلاً في حكمه أو يكون جائراً؟ لابد أن يكون عادلاً، ولكن العادل في حكمه، هل يكون عدلاً في ذاته أم لا؟ لا يلزم ذلك؛ فقد يكون كافراً أو فاسقاً، ولكن يضطر إلى العدالة في الحكم ليبقى ملكه، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: الملك يدوم مع العدل ولو لكافر، ولا يدوم مع الظلم ولو لمسلم، والظلم ظلمات يوم القيامة.

إذاً: هذا اللفظ جمع الصنفين: (إمام عادل) أي: في حكمه، (إمام عدل) أي: في شخصه، وبالتالي سيكون عادلاً في حكمه، وإذا كان الإمام عدلاً تقياً زاهداً فيما بأيدي الناس، ورعاً يخشى الله، تقياً في أعماله، مصلياً صائماً مزكياً حاجًّا بيت الله، يخاف الله في كل تصرفاته، هل سيقر ظلماً في ملكه؟ هل يقر فسقاً أو أية أعمال مخلة بالدين؟ الجواب: لا، بل سيعمل على أن تكون الرعية مثاليةً في حياتها، وفي أعمالها، ولن يقبل من أحد أن يخرج عن قانون العدل.

إذاً: سيعمل على إصلاح الجميع، وسيقيم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وستكون الأمة في ظله أمة مثالية، ونحن وجدنا مصداق ذلك في صدر الإسلام بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك فيما كان عليه الناس في خلافة أبي بكر وخلافة عمر استدعى أبو بكر رضي الله تعالى عنه عمر فقال: يا أخي! أعني في بعض المهام، قال: وما تريد؟ قال: تتولى القضاء بين الناس؛ لأن القضاء من مهمة الإمام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قاضياً، وقال لبعض الصحابة: (اكفني مئونة بيت المال) ، فقام عمر وتولى القضاء، ومكث سنة كاملة أو أكثر، ثم جاء إلى أبي بكر، وقال: خذ عملك، قال: ولِمَ أتعبتَ؟ قال: ما تعبت، ولكن من يوم أن وليتني القضاء ما جاءني أحد! أمة عرف كل واحد فيها ما له فأخذه، وما عليه فأداه.

فرد عمر القضاء على أبي بكر لعدم وجود متخاصمين، فكانت الأمة بهذه المثابة؛ لأنها تخرجت من مدرسة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتولاها أبو بكر رضي الله عنه من بعده، وسارت على المنهج الأول.

فإذا كان الإمام عدلاً عادلاً فإن الأمة كلها على خير، وكما يقال: الناس على دين ملوكهم، وهذا من نتائج عدالة الإمام في ذاته، وعدله في رعيته، وإقراره للحق وإبطاله للباطل، ونشره للفضيلة، وقضائه على الرذيلة.

قال أحد الناس: كنا نمشي بعد العشاء بمسافة قليلة عن باب المسجد، وثمة أشخاص جالسون ممن انقطعوا لذكر الله، فقال لي أحد رفاقي: يا فلان! تعرف أهل الجنة؟ قلت: ما رأيتهم حتى الآن! قال: هؤلاء ما بينهم وبين الجنة إلا الموت؛ لا يظلمون أحداً، ولا يسرقون أحداً، ولا يعتدون على أحد، مكتفين بذكر الله، وما يسر الله لهم من لقمة العيش، وهم كبار في السن، فقد كان الناس في السابق بعيدين عن المشاكل وعن اقتراف المظالم.

ففي ظل الإمام العادل العدل لابد أن ينشأ الصغير على عبادة الله، وكذلك يكون الكبير على الطاعة والامتثال وعبادة الله.