[مذهب المالكية]
المالكية عندهم أن العلة هي أن يكون قوتاً مدخراً، فإذا بيع الجنس بجنسه كيلاً أو وزناً، وكلاهما قوت مدخر فيجري فيهما الربا إلا مثلاً بمثل يداً بيد.
وهناك من يقول: نلحق بالمنطوق به كل ما كان زكوياً، فما هي الحبوب التي تزكى؟ هل التفاح يزكى؟ لا، هل التفاح يكال أو يوزن؟ عرفه العدد، والآن صار الناس يوزنون كل شيء، ذكر العلماء القدماء أن مما لا يكال ولا يقتات الفواكه، وابن قدامة يقول: التفاح والفرسك والخوخ والمشمش والكمثرى والخيار ليست مكيلة، وليست مدخرة، هي مطعومة ولكن ليست مدخرة.
قيل: إن العلة هي الكيل والوزن كما جاء التنصيص عليها في بعض النصوص، وهي موجودة بالفعل في هذه المسميات الست، ومالك ألحق بالمطعوم ما يصلح المطعوم وهو الملح، فالملح ليس قوتاً لكنه مدخر ومكيل، اجتمعت فيه العلتان.
إذاً: لا تبع مكيلاً بمكيل مدخراً بمدخر إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، والملح ولو لم يكن قوتاً فبه صلاح القوت.
الحنابلة يردون -كما يذكر ابن قدامة في المغني- على مالك في قوله: بإصلاح القوت، ويعترضون عليه بالحطب، فالإدام يصلحونه بالحطب والنار، لكن هذا ليس لإصلاح ذات الطعام، بل لإنضاجه، لكن الملح في الطعام يكون جزءاً منه، وألحقوا به التوابل التي تدخل في الطعام، إذاً: قضية الربويات فيما عدا المنصوص عليه بحرٌ لا ساحل له.
وكلٌ من الأئمة رحمهم الله ألحق من غير المسميات ما وجدت فيه العلة التي استقرت عنده، والعلة دائرة بين المقدار الذي هو الكيل والوزن، مكيل بمكيل، موزون بموزون، وبين الأوصاف الأخرى الموجودة في المنصوص عليها، أن تكون قوتاً ومدخراً، وعلى هذا فيجري الربا بلا خلاف عند الجمهور في الدخن والذرة والأرز.
والسمسم قوت، ويحكى أن جماعة أضافهم ناس، فقدموا لهم صحن عسل وصحن سمسم، وهم غير عارفين بطبيعة أهل البلد! فرءوا طفلاً صغيراً فقالوا: تعال تعال كل، فجلس الطفل الصغير، وغمس أصبعه في العسل، ثم في السمسم ولحسه، فقالوا: بس! قم، قم، كلم أمك! فهو قوت.
وبذر القطن يعصر ويخرج منه زيت، ولكن ليس قوتاً، وحينما نعصر البذرة، وأصبح عندنا زيت، فالزيت مكيل أو موزون؟ الأصل فيه الكيل، وكذا السمن وجميع السوائل الأصل فيها الكيل، فأصبح عندنا الزيت مكيلاً، وأصبح مدخراً، فيدخل في أنواع الربويات، فلو بيع زيت بذرة قطن بزيت بذرة قطن وجب الحلول والتقابض والتساوي.
وإذا بيع زيت بذرة القطن بزيت الزيتون، فهل اتحد الجنس أو اختلف؟ اختلف، (بيعوا كيف شئتم) ، فلا يلزم فيه التساوي، ويلزم التقابض؛ لأن كلاً منهما دهن، ويدخلان في علة المقدار التي هي الكيل والادخار.
والتفصيل بالجزئيات في أنواع الربويات لا يمكن حصره، ولكن الإلحاق موجود عند الأئمة الأربعة، وما امتنع من الإلحاق إلا داود الظاهري؛ لأنه لم يقل بالقياس.