كلنا يعلم أن في عودته صلى الله عليه وسلم من خيبر، سهر هو وأصحابه طوال الليل ثم عرسوا قبيل الفجر، وقال:(يا بلال! احرس لنا الفجر، قال بلال: فأنخت راحلتي، وأسندت ظهري إليها، ووجهت وجهي إلى المشرق أرقب الفجر، فما مكثت إلا وجاءني الشيطان يهدهدني كما تهدهد الأم طفلها حتى نمت، وما أيقظنا إلا حر الشمس) ، فلما استيقظوا كان عمر من أوائل من استيقظ، ولم يكونوا يجرءون على إيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه؛ لأنهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه، ولا ينام قلبه، وقد يكون في حالة يوحى إليه فيها، لكن عمر أخذ يكبر، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عنده أبو بكر، فقال:(يا أبا بكر! أين بلال؟! ما أراه إلا أن الشيطان أتاه وأخذ يهدهده كما تهدهد الأم طفلها حتى نام، فقام أبو بكر ونادى بلالاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الصبح يا بلال؟! فقال: قبض روحي الذي قبض أرواحكم) يعني: لماذا تلومونني أنا فقط، فكلنا قد نام؟ وقوله صلى الله عليه وسلم فيه دعابة ولطافة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أخبرني، فقال: والله يا رسول الله، لقد أخذت أهبتي، وأنخت راحلتي، واستندت إليها، واستقبلت المشرق بوجهي أنتظر الفجر، فإذا الشيطان يأتي ويهدهدني -الحديث- فقام أبو بكر وقال: أشهد إنك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارحلوا من هذا الوادي، فإن فيه شيطاناً) فخرجوا، وأذن بلال، وأقام، وصلوا الفجر.
ففي هذه الحالة من يستطيع أن يقول: إن الرسول أراد أن تفوته صلاة الصبح؟ لا أحد يقول ذلك، ولكن حصل هذا من أجل التشريع، وقد أخذ بأسباب البشر، بأن وكل الأمر إلى شخص ليوقظه، ونحن الآن نوكل قيامنا بالمنبه، فإذا كان الإنسان قد أخذ الأهبة فيما هو في وسعه، فما وراء ذلك فالله هو الذي يتولاه، فلما حدث ذلك كانت النتيجة أن أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يرحلوا من المكان، ثم أذن المؤذن كما يؤذن في العادة، ومن هنا نعلم أن الأذان للصلاة مع الوقت، وهنا الوقت قد خرج، والشمس قد ارتفعت، ثم بعد ذلك الأذان صلوا السنة، ومن هنا نعلم تأكيد سنة الفجر، وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يتركها في سفر ولا حضر، ثم أقيمت الصلاة وصلى الفجر أيضاً كما يصليها في العادة.
ومن هذه الحادثة نعلم ماذا نفعل إذا فاتنا وقت الصلاة، فلا نؤخرها إلى الغد بل نصليها في وقتها، وقد كان بعض الناس يقول ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:(إن الله نهاكم عن الربا، وكيف يقبله منكم؟!) ، وقال صلى الله عليه وسلم:(من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها) .
إذاً: كان هذا تقدير من الله ليبين للأمة فعل رسول الله فيقتدوا به صلى الله عليه وسلم إذا وقع منهم مثل ذلك.