نأتي إلى الحكم الفقهي في هذا الوضوء:(إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ) ، اللام هنا: لام الأمر؛ لأنه عند الأصوليين: لام الأمر مع المضارع من صيغ الأمر الذي يقتضي الوجوب، وأكده بالمصدر ليدل على أن المطلوب هو الوضوء الكامل، وليس مجرد غسل الفرج فقط؛ لأن الوضوء لغة يطلق على النظافة، وغسل الفرج يكون من النظافة، فجاء بالمصدر (وضوءاً) ليؤكد على أن الوضوء الشرعي هو المقصود.
وهل معنى (فليتوضأ) وجوب الوضوء أم له أن يأتي أهله ولو لم يتوضأ؟ يقولون: إن هذا الوضوء ما قال بوجوبه إلا داود الظاهري ومن تبعه، والجمهور على أنه سنة؛ لأنه من باب الإرشاد، وبين الحكمة والنتيجة منه وهو أنه أنشط للعود، فكأن قائلاً يقول: وإذا كان نشيطاً فهو ليس بحاجة إلى منشط، ولكن يستثنى من ذلك غسل الفرج، ويتحتم غسل الفرج إذا أتى جاريته ثم أراد أن يأتي الزوجة، فإنه يتعين عليه أن يغسل ذكره، وهذا من حق الزوجة عليه؛ لأن إتيانها بعد إتيان غيرها من غير غسل الفرج فيه إيذاء لها، وقد يكون فيه مضرة عليها.
يأتي هنا بحث آخر، لو كان عنده عدة زوجات، وأراد أن يطوف عليهن في ليلة واحدة، قالوا:(جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه مرة طاف على نسائه ولم يغتسل إلا عند الأخيرة) ، ولم يذكر عنه أنه غسل فرجه، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه طاف على نسائه واغتسل عند كل واحدة منهن، ثم قيل له: ألا تجعل هذا في الآخر؟ قال:(هذا أطيب وأطهر) أي: الاغتسال بعد كل واحدة على حدة، ومن هنا قالوا: إن الوضوء هنا إنما هو للندب والاستحباب، وليس للوجوب؛ لأن حكمته أنه أنشط للعود مرة أخرى، والله أعلم.