يقال: بيع العُربان أو بيع العربون، والعربون عند الناس في العرف: أن تأتي إلى صاحب سلعة، وتريد السلعة، وليس عندك من المال ما يكفي لشرائها، فتقول لصاحب السلعة: ليس عندي الثمن كاملاً، ولكن أمهلني إلى الغد -مثلاً- حتى آتيك بالثمن كاملاً، فالبائع يقول: أنا أخشى أن تذهب ولا ترجع، وربما يأتي زبون يريد السلعة ولا أستطيع أن أبيعها؛ لأني ارتبطت معك، ولكن أعطني عربوناً أضمن به رجوعك، فيقول: هذا العربون، السلعة بمائة، وهذه عشرة، فإن جئتك بكامل الثمن أخذت السلعة ودفعت لك الباقي، والباقي هو تسعون؛ لأننا احتسبنا العربون من الثمن، وإن لم تتحصل القيمة عند المشتري، وجاء إلى صاحب الدكان، أو صاحب السلعة، وقال: إن الثمن لم يتحصل عندي، فسامحني، وأعطني العشرة، فيقول: لا، أنت دفعت العشرة على أنها ربط للبيع، وتعويض لي عن تفويت فرص بيع السلعة في مدة انتظارك، فقد جاءني عدة زبائن يريدون شراءها، فبحجزك للسلعة فوَّت عليّ بيعها، فالعربون غير مرجوع.
هذا هو بيع العربون الذي كانوا يتبايعون به، يشتري السلعة، ويدفع جزءاً من الثمن، عربوناً على توثيق البيع، على شرط: إن جاء بالثمن أخذ السلعة، ومضى العقد، وإن لم يأت بالثمن فيكون العربون ملكاً لصاحب السلعة، تعويضاً له على ما فوت عليه من عقود مع أشخاص آخرين.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن هذا البيع؛ لأنه إذا تعاقد معه ودفع العربون توثيقاً للبيع، ولم يحصل البيع، فبماذا يستحل هذا العربون من مال أخيه والسلعة عنده؟! قد يقول: إنه فوت عليّ الزبائن، فيقال: الزبائن موجودون، والسوق مفتوح، فإن ذهب هذا يأتي ذاك، وأين الإرفاق بالناس؟ وأين الوفاء بالوعود؟! إذاً: هذا البيع حرام إن كان الشرط فيه امتلاك العربون إذا لم تتم الصفقة، أما إذا كان سيرد له العربون، فأكثر العلماء على النهي عن هذه الصورة، كما ذكرها مالك رحمه الله تعالى.
ونحن نقول -من باب الإنسانية، ومن باب الإرفاق، ومن باب التورع-: ليس هناك موجب لأخذك من مال أخيك شيئاً بدون مقابل، وكونك تزعم بأنه فوت عليك فرص البيع، وإذا ما جاءك زبون! ولا سأل عنها أحد! فالأصل أنه ما فات عليك شيء، فلماذا تأخذ العربون؟ إذاً: الغرر موجود، وأكل أموال الناس بالباطل موجود، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وبعض المتأخرين يقول: إنه جائز؛ لأنه دفعه عن رضا، خاصة إذا قال: إذا ما أحضرت لك الثمن فهو لك، فكأنه متبرع به سبحان الله! هل جاء وقال: السلام عليكم، أنا والله عندي عشرة زائدة خذها لك، أم أنه دفعها مضطراً حتى تبقى السلعة؟! إنما دفعها لحاجة، فكيف نقدر بأنه متبرع؟ هذا بعيد، ولماذا لم يتبرع صاحب السلعة ويرد العشرة؟! فالواقع أن هذا النوع من المعاملات فيه تعريض لأكل الأموال بالباطل.