بقي جانب الأسلوب البلاغي، وهو ما ينبغي على طالب العلم أن يمعن النظر فيه، ولنأت مرة أخرى إلى حديث عمار تصور كأنك تشاهد المنظر رجل أجنب في الخلاء، وهو لا يعلم حكم التيمم، فأتى بأقصى ما يمكن للعقل أن يتصوره، وهو أن يتمرغ في التراب من شعره إلى ظفره، فعل أقصى ما يمكن أن يفعله إنسان في العقل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد النبي من عمار مبالغة وزيادة على الواجب، ولو بالغ إلى المنكب فقط فقد يقال: ما زال في حدود اليد، ولكن جسمه كله! فيكون صلى الله عليه وسلم قابل المبالغة من عمار والزيادة الكثيرة عن المطلوب بأقل ما يجزئ، وقال:(إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا) ، فضرب الأرض ضربة واحدة في مقابل تمرغه في الصعيد، ويكون ذلك مقابلة للمبالغة في الزيادة عن المطلوب بمبالغة في أقل ما يجزئ.
أما في الأمر العادي فليس هناك صورة بلاغية، كحديث ابن عمر فإنه جاء على الأمر العادي، والتشريع ابتدائي، فيكون التيمم على أوفى ما يكون وأكمل أن يكون ضربتين، وعلى هذا كما قال مالك رحمه الله: أقل ما يجزئ ضربة واحدة وإلى الكفين، والشافعي يقول: لا يجزئ إلا ضربتان وأن يبلغ بالمسح إلى مرفقيه.
إذاً: القضية في الكيفية دائرة بين ضربة وضربتين، وبين الاجتزاء بالكفين أو البلوغ إلى المرفقين.
ومما يتعجب منه أننا نجد بعض المشايخ عند الشافعية يمسح على اليدين في التيمم بشكل هندسي، يقول: ضرب أولاً ومسح بها وجهه، ثم ضرب الثانية ومسح الشمال على اليمين، فيبدأ ببطن كفه اليسرى على ظهر كفه اليمنى، أي: ببطن أصابع اليد اليسرى على ظهور أصابع اليد اليمنى، ثم يمر بأصابع يده اليسرى حتى يأتي إلى المرفق، ثم ينقلب ببطن الكف اليسرى على بطن اليد اليمنى، ويصعد بها إلى أن يلتقي الكف بالكف، ويمسح الإبهام بالإبهام، والأصابع بالأصابع، ثم يعود إلى اليسرى فيفعل بها مثلما فعل باليمنى؛ لأنهم يقولون: الجزء الذي يمسح به اليد اليمنى باليسرى يجب أن يكون موزعاً بين ظاهر اليد وبين باطنها، ولا يمسح هنا ثم يرجع ويمسح هناك؛ لأنه سيصير كأنه استعمل المستعمل، ولم يبقِ للبطن مما كان يمسح به ظاهر اليد، وهكذا حتى يأتي إلى المرفق، ثم يبدأ مرة أخرى باليمنى على اليسرى.
ونخلص من هذا كله: بأن من اقتصر على ضربة واحدة للوجه والكفين فلا نعيب عليه، ومن زاد وأخذ ضربتين واحدة للوجه والأخرى لليدين إلى المرفقين فلا نعيب عليه، وكلاهما فيه سنة، وكلاهما قال به أئمتنا رحمهم الله، والله تعالى أعلم.