إذاً: رمى بسبع حصيات، والرمي لابد فيه من رفع اليد، ومن حركة الرمي والدفع، ولذا يقولون: لو أخذ الحاج الحصاة وهو عند الحوض ووضعها فيه كما يضع الكأس على الطاولة فإنه لا يجزئ، بل لابد من حركة الرمي، وأن تطير الحصاة في الهواء من يد الرامي إلى أن تسقط في الحوض.
والعبرة بالرمي إنما هو إلى دائرة الحوض (المرمى) وليس المقصود أن تصيب البنيان الذي في وسط الحوض الذي يسمى (الشاخص) ؛ لأن هذا الشاخص ما بني إلا مؤخراً، وكذلك الحوض ما بني إلا بعد ثمانمائة سنة من الهجرة، بناه أهل مكة باجتهادهم، وإنما كانوا يقيسون موضع الرمي بثلاثة أذرع، أو بخمسة أذرع على حسب كثرة الرمي، ثم بني هذا الحوض ليحفظ الحصى، وليحدد موضع الرمي، ولذا تجدون في كتب الفقه في أحكام المناسك أنهم يقولون: من رمى وتدحرجت الحصاة إلى أقصى الكوم فإنها لا تجزئ، ولكن إن استقرت في وسط المرمى الذي هو خمسة أذرع من كل جهة أجزأت، يعني: أن دائرة قطر الحوض عشرة أذرع؛ لأن مسافة الوتر من الدائرة أو من المحيط إلى المركز خمسة أذرع، ثم بني هذا الشاخص في الوسط ليكون علامة على موضع الرمي، وليتلقى الحصى من الجهات الأربع حتى لا تتعدى إلى المقابل فتؤذي، فإذا رميت أيها الحاج! وصادفت الشاخص المبني القائم وسط الحوض وارتدت الحصاة من الشاخص إلى الحوض أجزأت، أما إذا كانت الرمية التي رميت بها الشاخص قوية فارتدت بقوة وسقطت خارج الحوض فلا تجزئ ولا يعتد بها؛ لأن الغرض ليس هو الشاخص المبني القائم، ولكن الغرض أن تستقر الحصاة في داخل المرمى.
وقالو: لو أنك رميت الحصاة فصادفت عنق بعير مقابل فتدحرجت ونزلت في المرمى أجزأت، ولو رميتها على هودج مقابل وتدحرجت ونزلت في المرمى أجزأت، وعلى هذا فإنك إذا كنت في الدور الثاني وأردت أن ترمي فإنك ترمي في حوض صغير أسطواني، وتتدحرج الحصاة من المرمى حتى تنزل من الفتحة إلى المرمى الأصلي في الأسفل وهكذا.
وقالوا: في حكم الصغير الذي يحج به وليه ويريد أن يرمي عنه، إن كان يحسن أن يلعب ويأخذ الحصى ويرمي فعل الرمي بنفسه، وإن لم يكن يحسن فإنه يضع الحصاة في كفه، ثم يأخذها هو -أي: الولي- من كف الصبي ويرمي بها نيابة عنه.
إذاً: في قوله: (يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبر على أثر كل حصاة) فيه الترتيب، وطريقة الرمي، والتكبير عقب كل حصاة، وأن يكون الرمي بالحصى لا بغيره.