للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الذكر الذي يقال عند رمي الجمرات]

قوله: (يكبر عقب كل حصاة) ، قد تقدمت الإشارة إلى هذا، فمن العلماء من يرى أنه يقول: (باسم الله، الله أكبر؛ إرغاماً للشيطان وإرضاءً للرحمان) ، (إرغاماً للشيطان) لأنه كان بالأمس بعرفات، وما رؤي الشيطان أحقر ولا أذل ولا أصغر منه من يوم عرفة؛ لكثرة ما يرى من تنزل الرحمات، وكما يقال: يحثوا على رأسه التراب ويقول: يا ويلتا! لأنه قد اجتهد في إضلال الناس، فمنهم من بلغ عمره عشرين ثلاثين خمسين ستين سبعين ثمانين سنةً، وهو يجلب عليه بخيله ورجله، ويحتنكه ويقوده، ويفعل ما شاء فيه، فإذا كان يوم عرفات تنزل الله سبحانه وتعالى وتجلى لأهل الموقف وقال لهم: (أفيضوا مغفوراً لكم) ، إذاً: كل تعبه مع هذا الإنسان الذي بلغ عمره ثمانين أو تسعين سنةً ذهب وانتهى في عصرية، أو في عشية، إذاً: سيكون في تلك الحالة أشد ما يكون أسفاً على ما كان من عمله سابقاً، وحينما يأتي الحاج إلى رمي الجمار يقول: (إرغاماً للشيطان) ، أي: على ما أصابه في يوم عرفة يكون الرمي، زيادة في إذلاله واحتقاره وإصغاره.

(وإرضاءً للرحمان) لأن الإنسان ما خرج من بلده وترك أهله وولده وماله وتحمل مشاق الحل والترحال إلا ابتغاء وجه الله، كما جاء في حديث المباهاة: (إذا كانت عشية يوم عرفة ينزل ربنا إلى سماء الدنيا، فيباهي بأهل الموقف ملائكة السماء، يقول: يا ملائكتي! هؤلاء عبادي جاءوا شعثاً غبراً ماذا يريدون؟ فتقول الملائكة: يا رب! أنت أعلم بما جاءوا إليه، جاءوا يرجون رحمتك ويخشون عذابك) ، إذاً: يقول: (إرضاءً للرحمان) ؛ لأنه جاء يرجو رحمة الله، فمن هنا حينما يتخلص الحاج من تلك الأثقال التي حملها عليه الشيطان، فإنه يطلق من قيوده، ويفك من احتناكه، ويصبح طليقاً قوياً سوياً، فيأتي إلى الشيطان وكأنه يقول له: هاه! قد جلبت علي تلك السنوات كلها وأنا عاجز أمامك، وأما الآن فقد تقويت؛ لأن ما أثقلتني به قد ذهب عني، وما كبلتني به من القيود قد انطلقت منها، وهأنذا أبدؤك بالحرب، (باسم الله، الله أكبر، إرغاماً للشيطان وإرضاءً للرحمان) .

إذاً: رمي الجمار ليس الغرض منه ضرب الشيطان، كما يظن بعض الجهال أنه يضرب الشيطان أمامه، فالشيطان لن يقعد له حتى يرميه! ولا حتى يضربه! ولذا ترى أحدهم يأتي بحجارة أو يأتي بنعل أو يأتي بمظلة ويرمي بها، ولا يدري أن الشيطان يضحك عليه بهذا العمل، إنما الرمي هو كما قال صلى الله عليه وسلم: (بحصاة كحصى الخذف) فيرمي على هذه الوجهة، وبهذا المقصد، وهو يستشعر رحمة الله وفضله عليه، ونعمته عليه بهذا الموقف.