[استحباب الدعاء بأسماء الله وصفاته بما يتناسب مع الحاجة]
قال: (يا ذا الجلال والإكرام) .
هذه صفات الله سبحانه وتعالى، يتوسل بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى رب العزة في قضاء ما سأله إياه، والجلال والعظمة والكبرياء صفات هي صفات الجلال والكمال لله سبحانه وتعالى، ومن صفات العظمة والكمال والجلال الأسماء الثلاثة: الملك، والإله، والرب، وكلها جاءت في سورة الفاتحة، وفي المعوذتين في آخر المصحف.
وأما كونه ذا الإكرام فنحن نسأل ونطلب، فتسأل حاجتك وتطلبها من كريم، فنظهر ونتوسل بهذا الاسم وبتلك الصفة التي تناسب الحاجة.
ومن هنا يقول العلماء في قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] ، وفيما جاء الحديث (إن لله تسعة وتسعين اسماً -مائة إلا واحداً- من أحصاها دخل الجنة) يقولون: هل معنى (أحصاها) حفظها كما هي مكتوبة في آخر المصحف -كما في بعض الطبعات الهندية-، أن (أحصاها) فقه معناها؟ وحضرت مجلساً انعقد بين والدنا الشيخ الأمين -رحمة الله تعالى علينا وعليه- وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز في هذا الموضوع في بيت الشيخ، وتذاكرا وقتاً طويلاً، وأخيراً استقر الأمر على أن (حفظها) بمعنى: صانها من التحريف والتأويل، وتأدب بها، فإذا قرأ أو إذا ذكر اسم الله الكريم فلا يبخل، وإذا ذكر اسم الله الرحيم فلا يتجبر، وإذا ذكر اسم الله الرزاق فلا يمنع، وهكذا يتخلق بأخلاق مدلول أسماء الله سبحانه وتعالى.
وهنا يقولون في هذه الآية الكريمة: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] يقولون: لن يتأتى لإنسان أن يسرد تسعة وتسعين اسماً، ويقول: يا رب: أعطني، أو يا رب: ارزقني.
أو: يا رب: اغفر لي.
قالوا: المراد هنا والمناسب أنك إذا سألت الله شيئاً انظر من أسمائه سبحانه ما يتناسب مع هذا الذي سألته، وتوسل إليه سبحانه بهذا الاسم، فإذا كان الإنسان فقيراً ويريد التوسع في الرزق، فهل سيقول: يا قهار، يا جبار، أم سيقول: يا رزاق، يا كريم؟ سيقول: يا رزاق، يا كريم.
وإذا كان يطلب المغفرة فهل سيقول: يا شديد العقاب يا شديد العذاب، يا جبار؟ إنه سيقول: يا غفار.
يا رحيم، وهكذا.
وقد جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها حينما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضل ليلة القدر، فقالت يا رسول الله! ماذا أقول إن أنا صادفتها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني) .
أي: من صفاتك العفو، وأنت تحب العفو، وتحب من يعفو عمن ظلمه، فأسألك بما تحبه، وما أنت متصف به أن تعفو عني.
فالسؤال يكون بذكر الصفة التي يتصف بها الله سبحانه وتعالى، والتي يحبها في عباده، فـ عائشة رضي الله تعالى عنها لم تقل: يا رزاق، يا كريم.
ولم تقل: يا غفور، يا رحيم.
ولم تقل: يا ذا الجلال والإكرام.
ولم تقل: سبوح قدوس.
وكل ذلك من صفاته سبحانه وتعالى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّمها أن تأتي لمسألتها فتسأل الله بالصفة التي ترتبط بهذه الحاجة، وهكذا هنا: (يا ذا الجلال والإكرام) .