وقولها:(ثم أفاض على سائر جسده) أي: بعد أن غسل يديه غسل فرجه، ثم دلك يديه بالتراب، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بدأ بالرأس فأدخل الماء إلى أصول الشعر، حتى ظن أنه أرواه -كما في بعض الروايات- ثم أخذ ثلاث حفنات فأفرغها على رأسه.
وهل يثلث الغسل كما يثلث الوضوء أم أن هذا من باب تأكيد غسل الرأس فقط؟ الجمهور أنه يستحب أن يثلث كما في الوضوء، فأخذ ثلاث حفنات للحيطة والتأكيد وأفاضها على رأسه.
إذاً: الرأس بدأ بتخليله حتى يصل إلى أصول منابت شعره، وإذا كانت لديه لحية كثة فهل يخللها أم لا؟ قالوا: نعم يخللها إلحاقاً لها بشعر الرأس، خاصة إذا كانت كثة، فإذا أفاض على رأسه ثلاث حفنات فماذا بعد ذلك؟ قالت:(ثم أفاض على سائر جسده) .
الإفاضة: تعميم الجسد بالماء، وقولها:(على سائر) أي: الباقي بعدما تقدم؛ لأن سائر ليست بمعنى الجميع، بل بمعنى الباقي، فكأن سائر جسده بقية الأعضاء التي لم يمسها الماء، وقال بعضهم: الإفاضة على سائر الجسد تشمل الرأس وأعضاء الوضوء، ويكون غسلها أولاً بصيغة الوضوء تكريماً لأعضاء الوضوء ثم يشملها الغسل مع سائر البدن.
وجاءت بعض الروايات بأنه يبدأ بشقه الأيمن، يفيض الماء على شقه الأيمن، ثم يفيض الماء على شقه الأيسر، ثم يتأخر ويغسل قدميه تتمة للوضوء الذي أوقعه قبل غسل رأسه وإفاضة الماء على جسده.
وهنا مسألة: هل الدلك واجب في هذا الغسل؟ الجمهور لا يقولون بوجوب الدلك، بل يقولون: إنه إذا جرى الماء على الجلد، وتأكد الإنسان من أن الماء قد وصل إلى أصل كل شعرة؛ فإن ذلك يكفي، ومالك يقول: لا بد من الدلك، ويتعين على المغتسل من الجنابة أن يدلك جلده بقدر ما تطول يداه، قالوا: لماذا تشترط هذا؟ قال: لنتأكد من تعميم الماء على سائر الجسد، وفي أثر موقوف على علي:(تحت كل شعرة جنابة) فإذا كان كذلك فلا بد من التأكد من إيصال الماء إلى جميع البشرة.
وبعض الروايات تقول:(ثم غسل رجليه) ، وبعض العلماء يقول: إن قلنا: إن الوضوء السابق للغسل كالوضوء للصلاة فيتعين غسل القدمين أولاً، وقال بعضهم: حتى وإن قلنا: إنه كالوضوء للصلاة فيمكن تأخير بعض الأعضاء، وفصلها بجزء من الزمن، وقال مالك رحمه الله: إن كان المكان الذي وقف ليغتسل فيه نظيفاً فإنه يغسل قدميه مع الوضوء أولاً، وإن كان غير ذلك بأن كان تراباً أو كان طيناً وسيعلق فيهما من أثر الغسل فيؤخرهما، ثم بعد أن ينتهي من الغسل ينتقل إلى مكان آخر جاف فيغسلهما فيه.
وهكذا يتم من مجموع حديث عائشة مع حديث ميمونة كيفية غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، وتبقى بعض الجوانب في اغتسال الرجل مع المرأة في وقت واحد وقد تقدم قوله عليه الصلاة والسلام:(لا يغتسل الرجل بفضل المرأة، أو المرأة بفضل الرجل) .