[الصنف الخامس: الهدية للغني من الفقير المتصدق عليه]
قال:(أو مسكينٌ تُصدق عليه منها فأهدى منها لغني) .
مثل أن تتصدق على جارك بزكاة الفطر تمراً أو براً أو زبيباً أو غير ذلك، فجئت يوم العيد تزوره فقدم إليك القهوة مع التمر -كما هي العادة- فنظرت وفطنت بأن التمر الذي قدمه إليك هو من تمرك الذي تصدقت به عليه، فهو عنده تمر كثير، وتُصدق عليه بتمور متعددة، ولكن حينما جاء بالقهوة وجاء معها بالتمر صادف أن جاء بالتمر الذي جاءه من عندك أنت، فحينما يقدم لك التمر مع القهوة هل تنظر وتقول: أنا لا أكل هذا؛ لأن هذا من صدقتي عليك، وأنا غني عن أكل الصدقة، أم أنك لا تأكل صدقةً ترجع فيها، ولكن قرىً وضيافة؟ الجواب: أنك تأكل؛ لأنك حينما تأكل من التمر لا تأكله على أنه منك، بل على أنه منه هو؛ لأنه قد امتلكه بوجهٍ شرعي وأصبح في ملكه يتصرف فيه تصرف الملاك، إن شاء دفعه في صدقةٍ عنه وعن عياله، وإن شاء باع الزائد، وإن شاء أطعمه فقراء آخرين، وإن شاء ضيفك به.
إذاً: هذا غني، وهذه الصدقة تصدق بها بالأمس وقُدمت إليه وهو غني، فلا مانع أن يأكلها، فهي تحل له؛ لأنها قدمت إليه لا في إطار الصدقة، ولكن في إطار الضيافة والقِرى.
ومن هنا -كما يقولون- اختلف الاتجاه واختلف الاعتبار، واختلفت اليد فاختلف الحكم كما جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه:(أنه أصبح ذات يوم وقال: ائتوني بغدائي -والغداء كان في الضحى- فقدموا إليه خبزاً وخلاً وملحاً، فقال: لماذا الخل والملح وأنا أرى البرمة تغط باللحم؟ فقالوا: يا رسول الله! إن ما في البرمة لا يحل لك، قال: ولماذا؟ قالوا: إنه لحمٌ تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة -فهذا كلام فقهي صحيح- فقال: هو عليها صدقة ولنا منها هدية) ، فيكون قد اختلف الاعتبار واختلفت اليد، مع أن اللحم واحد، فهذه فخذ شاة، وضعت في يد بريرة، فامتلكتها بريرة، ثم طبختها، فلها بعد ذلك أن تهدي منها لمن تشاء، فحينئذٍ أكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتبار أنها هدية من بريرة، والمتصدق ذهب لحاله، والصدقة وصلت محلها وانتقلت من المتصدق عليه إلى الآخرين هديةً.
وهكذا هذا غنيٌ تصدق على فقيرٍ بتمرٍ أو بلحمٍ أو بخبزٍ أو بأي شيء، ثم جاء الغني يزوره فقدم إليه طعاماً ومن ضمن الطعام ما كان تصدق به بالأمس عليه، فحينئذٍ تحل له تلك الصدقة؛ لأنها قدمت إليه باسم الضيافة لا باسم الصدقة.