قال النبي صلى الله عليه وسلم:(كسب الحجام خبيث) ، وهل خبث المال يدل على حرمته، أو يدل على استقذاره؟ ليس حراماً لأن المنافقين كانوا يتصدقون، وكانوا يتيممون الخبيث من أموالهم ينفقونه، فما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم المال الخبيث الذي يعطى لأهل الصفة حراماً، بل كان حلالاً يأكلونه، لكن عاب على المنافقين أن أحدهم يتيمم النوع الخبيث من التمر ويأتي به ويعلقه لأهل الصفة، بينما كان كرام الناس والمؤمن بالأجر وبالعوض عند الله يأتي بأحسن أنواع التمور أو الرطب أو غير ذلك ينفقه عليهم، والمنافقون يعتبرون هذه غرامة، فلا يأتي بالجيد.
إذاً: معنى قوله: (كسب الحجام خبيث) أي: غير مستطاب، يقول العلماء: لا ينبغي لحر كريم أن يعمل بهذه المهنة، وبعضهم قال: خبثه بسبب ما يتعاطى من الدم، والدم نجس، حيث كان الحجام يعمل بالقرن، فحين ينخلع القرن بطابق منه، يخرمه ويجعله على محل التشريط ويشفط بفمه ليبتز الدم، فلربما زاد في الشفط فغلبه الدم ووصل إلى حلقه دون قصد، فمن هنا كان الخبث، فلما كان الأمر كذلك، وجاء حجام وسأل، قال:(ماذا أفعل فيما أعطى؟ قال: أطعمه الدواب أو أطعمه العبيد) ، فهنا قالوا: سيطعم الدواب حراماً، أو يطعم العبيد الحرام، وهو مكلف بأن يطعمهم من الحلال! إذاً: كسب الحجام خبيث لما فيه من دناءة بالنسبة لبعض الناس.
ثم يأتي الحديث الثاني بأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم.
وهذا أولاً يثبت مشروعية الحجامة، ثم أعطى الحجام أجره، بل هناك زيادة في حديث بني بياضة:(أنه استوصاهم به خيراً، ثم أرسل إليهم أن زوجوه) ، فقد أكرم الحجام بأجره وبالوصاية به، فليس هناك أي إهانة له أو ابتذال.