قالت:(وكان صلى الله عليه وسلم يختتم الصلاة بالتسليم) وهنا مبحث من جهتين: كيفية التسليم، ونوعيته.
تسلم بعد التشهد والدعاء الذي يسره الله لك، أو ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الدعاء بعد التشهد، مثل التعوذ بالكلمات الأربع:(اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وعذاب النار، وفتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) وقد قال ابن حزم: إنها فريضة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهذه الكلمات الأربع، وبعضهم يقول: إنها من التوجيهات والتعليمات لما يقال من الأدعية في الصلاة، وبعضهم يقول: إذا انتهيت من التشهد وذكرت الدعاء الوارد تمت صلاتك، وتخرج كيف شئت، والجمهور على أن المصلي لا يعتبر خرج من صلاته وأتمها إلا بالتسليم، وهذا نص الحديث:(كان يفتتح الصلاة بالتكبير ويختتمها بالتسليم) ، وهنا كيف يسلم؟ هناك من يقول: يكتفي بسلام واحد، فيجلس مستقبلاً القبلة ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، وبعضهم يقول: لابد أن يسلم عن اليمين وعن اليسار، فإن كان في الجماعة فعن يمينه أخ مسلم، وعن يساره أخ مسلم، فيسلم على من بجانبيه، وإذا كان منفرداً أو في الخلاء وليس عنده أحد فإنه يسلم على الملائكة؛ لأن الملائكة تحضر صلاته، وقالوا: الكيفية أن يبدأ بالسلام: السلام عليكم -ويبدأ بالالتفات يميناً- ورحمة الله، ويعود إلى ما كان عليه، ويبدأ بالسلام عن اليسار أيضاً مستقبلاً القبلة، ثم يلتفت يساراً ويكمل الصيغة في السلام.
وأما عن حكم السلامين معاً: فكلاهما واجب؛ لأنهما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، حتى قيل:(كان يلتفت حتى نرى بياض خديه) ، إذا التفت يميناً رءوا بياض الخد اليمين، وإذا التفت يساراً رءوا بياض الخد اليسار، إذاً: هناك التفاتة وصورة واقعية، وكانوا يجعلون السلامين معاً.
وهناك من يقول: الأول فرض وبها يخرج من الصلاة، والثاني سنة، وعلى كل سيأتي تفصيل السلام في آخر الباب، إلا أنه كما تقدم في هذا الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها أوردت لنا صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إجمالية: يفتتح الصلاة بالتكبير، وما قالت ما هي صيغة التكبير.
وكان يفتتح القراءة بالحمد، ولم تفصل لنا ما هي القراءة.
وإذا ركع، وإذا رفع، وجلس بين السجدتين، ثم نهى عن كذا وعن كذا، ويختتم الصلاة بالتسليم، ما هو نوع التسليم؟ لم تفصل، وأشرنا إلى أن هذا الأسلوب من الإجمال؛ ثم يأتي بعد ذلك التفصيل، وهو من أرقى أنواع الأساليب البيانية؛ لأن في الإجمال إيجازاً واختصاراً؛ فيقع هذا المجمل في ذهن السامع، ثم يأتي بعد ذلك التفصيل، ونستطيع أن نقول: هذا منهج الفقهاء، فهم يكتبون المتن مجملاً، ثم يأتي بعد ذلك الشرح مفصلاً، وبعض يزيد بالحواشي.
إذاً: يهمنا الأسلوب العلمي الناجح القريب السهل، وهو أن يؤتى بالموضوع مجملاً ثم يؤتى به بعد ذلك مفصلاً، وهذا ما سلكته أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، وكل جزئية من تلك الجزئيات إما أن تقدم بيان لها، وإما أن يأتي لها تفصيل وتحقيق وزيادة روايات في بيانها تفصيلياً.