بيع الرجل على بيع أخيه والسوم على سومه كلاهما من هذا القبيل، وصورة بيع الرجل على بيع أخيه: أن يأتي إنسان ويشتري سلعة من شخص، ويشترط لنفسه الخيار لمدة يومين ليستشير، فيأخذ السلعة في يده على ذمة الخيار لمدة يومين، والمشتري والبائع كلاهما له الخيار في الإمضاء والفسخ -إلا إذا اشتُرط الخيار لواحد منهما فقط، فإذا اشترى المشتري واشترط الخيار لنفسه فقط، فليس للبائع حق الفسخ- وفي مدة الخيار علم جار البائع بما حدث، فذهب إلى المشتري وقال له: ما دام أنك في مدة الخيار، فارددها إلى صاحبها وسأبيعك نفس السلعة بسعر أقل، فيكون هنا قد باع على بيع أخيه.
وصورة الشراء على شراء أخيه كما لو اشترى المشتري السلعة بألف، وعلم بذلك شخص وهو في حاجة إلى السلعة، فذهب إلى البائع وقال له: بكم بعت يا فلان؟ فقال: بعتها بألف، فقال: يا أخي! لماذا لم تخبرني، لو كان عندي علم لأخذتها بألف ومائتين، فما دام أن لك الخيار، ولك حق الفسخ في يومين، فافسخ البيع، وسأشتريها بألف ومائتين، فيكون قد اشترى على شراء أخيه، وفي كلتا الصورتين إفساد بين الناس، وإفساد للسوق، وفي الحديث:(أحب لأخيك ما تحب لنفسك) .
إذاً: هاتان الصورتان منهي عنهما؛ لما فيهما من إفساد بين الناس، ثم إنه صلى الله عليه وسلم خاطب الناس في هذا بقوله:(ولا يبيع الرجل على بيع أخيه) ، ولم يقل على بيع الغير، ولكن قال:(على بيع أخيه) ، إذاً: من حق الأخوة ألا تتعدى على أخيك، وهذا من البلاغة النبوية، فقد كان يمكن أن يقول: لا يبيع أحدكم على بيع غيره، ولا يشتري على شراء غيره، ولكنه قال:(أخيه) ، فكأنه يذكره بحق الأخوة بينهما، فما دمت اعتبرته أخاً لك فأحب له ما تحب لنفسك.
وهكذا فالتشريع في المعاملات قد يلمس العاطفة، وقد ينبه الضمير، ويوجه الإنسان بإنسانيته، فيشعره بأن هذا أخوه، ولا ينبغي أن يفسد عليه بيعه، وأن هذا أخوه، فلا ينبغي أن يفسد عليه شراءه، فيكون أنانياً يحب لنفسه ما لا يحب لغيره.