[وجوب معرفة وكاءها وعفاصها]
[ (قال: اعرف عفاصها) ] .
العفاص هو كما هو معروف عند بعض الناس ممن يهتمون بالغترة والمكوى، يمسكها شخص يقول: عفصتها، يعني: ثنيتها، فكذلك العفاص: هو الوعاء الذي ينثني على ما بداخله، فالعفاص مقابل الكيس والخرقة، ولكن سمي بوصفه الذي يئول إليه؛ لأنه إن عفص على ما فيه حفظه، فعفاصها: كيسها، خرقتها، نوع قماشها ولونه وحجمه.
[ (ووكاءها) ] .
الوكاء: هو الرباط؛ كما جاء في الحديث: (إن البلاء لينزل ليلة في السنة، فأوكئوا السقاء، وأطفئوا السراج، وخمروا الإناء، ولو لم يجد أحدكم إلا عوداً يجعله بعرضه عليه ويسمي الله كفاه، وأطفئوا السراج؛ فإن الفويسقة تضرم على الناس بيوتهم) .
الفويسقة: الفأر، ذكراً كان أو أنثى.
وكيف تضرم -أي: تحرق- على الناس بيوتهم؟ كانوا يستضيئون بالزيت، مثل القناديل التي كانت معلقة في المسجد كان يوضع فيها القنديل بالزيت، وهو إناء مثل الكأس يوضع فيه الزيت، ويوضع فيه فتيل من القطن؛ يسمى: السحيل، فيوضع هذا الإناء في الكأس، ويجعل طرفه على حافة الكأس من خارج، ويشعل بالكبريت، فالشعلة التي تجيء في هذا الفتيل تضيء، وكلما كان الزيت نقياً كان الضوء أصفى، قال الله: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور:٣٥] فتأتي الفأرة من أجل أن تشرب هذا الزيت، وتخاف من الشعلة فتجيء بذنبها وترفع الشعلة عن الكأس بالكلية، ولما تطرحه تطرحه على أرض الغرفة على الفراش، فتضرم على الناس بيوتهم.
قوله: (أوكئوا السقاء) ، لماذا؟ لأنك إذا تركت القربة مفتوحة الفم -خاصة في المناطق الحارة- فإن هوام الأرض تتتبع الرطوبات، فقد تأتي إلى القربة وتدور وتبحث فتجد هذا المأوى في فمها لرطوبته، فتدخل فتؤذي أصحابها، ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم أن يشرب الإنسان من فم القربة، ولكن يصب الماء في إناء ويشرب منه؛ لأنه لو كان في فم القربة شيء من تلك الهوام سينزل في الإناء وتراه، وإذا كان سليماً، فالحمد لله.
فالوكاء هو الخيط أو الحبل أو السلك الذي يربط به العفاص، وقد تكون مخيطة وليس عليها وكاء، لكن أيضاً خيطها الذي خيطت به قد يكون متميزاً.
وفي بعض الروايات: (وعددها) كيف (وعددها) وهي مربوطة بخيط وأنا ما فككتها؟! ولذا بعض العلماء يسقط كلمة العدد، والذين يثبتونها قالوا: أتى بصفات العفاص والوكاء فككناها وعددنا، هل اتحد العدد مع ما يقول أم لا؟ وبعضهم يقول: الإنسان قد ينسى عدد الدراهم التي في العفاص.
لو قلت لك الآن: أخرج محفظتك، وكم فيها من ريال فقد لا تضبط ذلك الضبط الكافي، لكن يمكنك أن تعرف ما فيها من حيث الجملة.
إذاً: قالوا: العدد ليس بشرط، وكونه يعرف عفاصها ووكاءها عبارة عن أمارات وشواهد على أن اللقطة له هو؛ لأنها لو لم تكن له ما عرفها.
إذاً: (اعرف عفاصها ووكاءها) لتكون علامات وأمارات لمن يأتي ويصف، ويكون هذا الوصف قرينة وبينة على أنها له، وهل يأتي ببينة على أنها له؟ وهل يحلف اليمين بأنها له؟ كل هذا وارد، ولكن سيأتي تفصيل ذلك فيما بعد إن شاء الله.