للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب تحريم الصدقة على آل البيت]

ثم بين هنا في هذا الحديث سبب التحريم فقال: (إنما هي أوساخ ... ) ، يا سبحان الله! هذه تمرة تشتهيها النفس، فكيف تكون أوساخاً والدينار الأحمر الذي يلمع وله بريق يخلب الأنظار، كيف يكون أوساخاً الثوب الجديد الذي لم يلبسه أحد، يشتريه المزكي من الدكان من النوع الجيد وهو جديد، من المصنع إلى الدكان إلى يد المسكين، فكيف يكون أوساخاً؟ قالوا: الصدقة تكفر الذنوب، والصدقة تطهر المال، فكأن الصدقة بطيبها تحمل عن صاحبها كل أوساخه المعنوية، ومن هذا قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله بنجاسة الماء الذي يمر على البدن، ويُرفع به الحدث الأصغر أو الأكبر، فاعتبره متنجساً بما حمل من الحدث، فلو أن إنساناً دخل الحمام ومكث فيه ساعة، وجعل يتليف بالصابون والشامبو، ثم خرج من أحسن وأنظف ما يكون، ولكن عند خروجه أراد أن يلبس ثيابه وفي حركةٍ ما مس فرجه، فانتقض وضوؤه، فتوضأ، فماء الوضوء الذي مر بهذا الجسم الذي مكث ساعةً في الحمام، ولم يخرج ولم يعرق، ما الذي نجسه؟ يقول الإمام أبو حنيفة: حلَّ فيه الحدث الذي من أجله توضأ، والحدث نجس.

هكذا يقول رحمه الله، وإن كان العلماء ناقشوه في هذه المسألة، والذي يهمنا هنا أن الصدقة أوساخ الناس، والمراد بالوساخة وساخة معنوية.

إذاً: مقياس الحلال والحرام ومقياس الطيب والخبيث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم له اعتبار فوق اعتبارات كل المقاييس؛ لأنه مقياسٌ معنوي لا يصل إليه الإنسان العادي؛ لأن الأوساخ العادية تدرك إما بالعين وإما بالشم، وإما بالإخبار، ولكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم المقياس أعمق من هذا كله: (إنما هي أوساخ الناس) وهي أطيب ما تكون في ذاتها وفي نوعيتها، ولكنها لما دخلت في قناة الصدقة أخذت تطهر المال من كل شائبة، وأخذت تزكي صاحبها كما في الآية الكريمة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣] ، أي: من كلا الطرفين، فتطهر الفقير من دنس الحقد والكراهية للأغنياء الذين يعطون الزكاة، فلا يكون حاقداً عليهم، وتزكي الغني بما يدفع من ماله.

ومعنى (تزكي) : أي: تنمي ماله عوض ما أخرج من المال في الزكاة، ففيها تطهير، وما دامت كذلك فهي أوساخ الناس، ولهذا لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا لآله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

وسيأتي المصنف بزيادة كلام في هذا الباب، وقد سبق أن أشرنا إلى أن آل البيت إذا لم تعد هناك غنائم، ولم يكن هناك الخمس، فهل يُعْطون من الزكاة إذا كانوا أصحاب فاقة وحاجة؟ أشرنا بأنه من الضروري أن يُعطوا؛ لأنهم حينئذٍ يأخذون بوصف الحاجة لا بوصف القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.