قال المؤلف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) ، متفق عليه واللفظ للبخاري زاد أبو داود (غير رمضان) .
لا يحل لامرأة مؤمنة ملتزمة بالكتاب والسنة وملتزمة بحق الزوج عليها أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه إلا رمضان، وصوم المرأة هو كصوم الرجل، فعندها رمضان وعندها عدة من أيام أخر، وعندها كفارة، وعندها نوافل الصوم، مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وعاشوراء، والإثنين والخميس، فإذا كان صوم المرأة فرضاً معيناً فليس للزوج منعها، مثاله: نذرت أن تصوم يوم مجيء ولدها من السفر، فجاء فصامت؛ لأنها تعين عليها الصوم يوم مجيئه، كأن جاء بالليل وبيتت الصوم وأصبحت صائمة، فبمجيء ولدها أصبحت ملزمة بالنذر وهو فرض عليها لا يحق للزوج أن يمنعها؛ لأنه فرض محدد بزمن، ولو منعها فسيفوت النذر عليها، أما ما عدا ذلك، كقضاء رمضان فليس محدداً بزمن؛ لأن هناك عدة من أيام أخر، وها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها كانت يكون عليها قضاء من رمضان، وتأجله إلى أن يأتي شعبان حينما يكثر صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا قالت: لمكانة رسول الله مني؛ لأن الرسول له دورة على زوجاته، فإذا جاء دورها وجدها غير صائمة.
وكذلك رمضان لا يحق له منعها؛ لأن وقته مجدود، وهو حق لله فرضه عليها وعليه، فلا يحق له أن يمنعها؛ لأن أذنها بيدها وأمرها من عند الله، إذاً: لا يحق لامرأة أن تصوم غير رمضان، وغير ما يساوي رمضان من النذر المعين إلا بإذن زوجها، وأما غير ذلك فالأولى أن يسمح لها؛ لأن الله تعالى يقول:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:٢] ، ولا ينبغي أن يضيق عليها ويمنعها.
ومن هنا ينبغي أن نعلم بناتنا وزوجاتنا حق الزوج على زوجته، فهذا الصوم وهو عبادة لله، ومن أعظم القربات عند الله، ومع هذا يمنعها الشرع أن تصوم إلا بإذن زوجها، يا سبحان الله! يشترط إذن الزوج على عبادة الله! نعم، لعظم حقه؛ لأن حق الزوج على زوجته ليس بالأمر الهين، وخاصة فيما يتعلق بالزوجين مع بعضهما؛ لأنه لا عوض عنها، ولا بديل منها، فهي أحق الناس بالوفاء بحقه.
ولذا جعل المولى سبحانه القوامة في البيت للرجال قال تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا}[النساء:٣٤] ، بالفضل الذاتي للرجولة على النسوة، وبما أنفقوا، ولهذا جاءت النصوص عديدة في هذا الباب ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:(لو أن امرأة طلبها زوجها ولو كانت على ظهر قتب، فامتنعت إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها) وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة باتت وزوجها ساخط عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) .
فالرسول صلى الله عليه وسلم عظَّم حق الزوج على الزوجة، ومن ذلك ما جاء في الحديث العظيم:(لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) ليس سجود عبادة وإنما سجود تحية، وكذلك الزوجة لها حق على زوجها، وعليه أن يوفيها حقها، بل ينبغي أن يوفي الزوج الحق الذي عليه أولاً، ثم يطالب بحقه ثانياً.
إذاً: الحياة الزوجية عشرة ومعاشرة، وازدواج وتبادل منافع، قال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:٢٢٨] ، وقال سبحانه:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة:١٨٧] ، فلابد من المعادلة في هذه المسألة، ولكن يعظم حق الزوج على المرأة فيما يكون له من حق الإذن أو الرفض في عبادة لله سبحانه.