من وجد المعادن وعثر عليها فإنه يستطيع أن يصنعها ويستفيد منها، قالوا: إن استطاع فله ذلك، وكيف يزكي ما يحصل عليه؟ قالوا: الركاز فيه الخمس قليله أو كثيره، وفي المعادن كذلك الخمس، وبعضهم يقول: فيه العشر، بمعنى أنه يعامل معاملة الغنائم ومعاملة الركاز فيؤخذ منه الخمس.
وهناك من يقول: ربع العشر.
أما الخمس فقياساً على الركاز مع وجود الفارق؛ لأن هذا يحتاج إلى عمل، ومن يقول: العشر فقياساً على ما تنبته الأرض من الحبوب والنبات والثمار: فإن فيه العشر، ومن قال: فيه ربع العشر قياساً على زكاة الذهب والفضة، فإن كان ذهباً وفضةً وأخذ منه ما يؤخذ من الذهب والفضة فيكون مالاً زكوياً، والجمهور على أنه مال زكوي.
ويقولون: لا يشترط للحصول عليه وتزكيته حولان الحول ولا بلوغ النصاب.
والآخرون كالحنابلة ومن وافقهم والمالكية يقولون: يشترط فيه النصاب، وليس المراد بالنصاب في كل دفعة يحصل عليها، كأن يكون اكتشفه اليوم وبدأ يعمل ويصفي فوجد ربع نصاب، فاحتفظ به، ثم عمل غداً وأخذ ربع نصاب، ثم بعد شهرين أو ثلاثة اكتمل عنده النصاب، فحينئذ يزكي في الحال ولا ينتظر الحول.
ثم بعد اكتمال النصاب يزكي كل ما حصل عليه يومياً، ولا ينتظر نصاباً للجديد الذي جاء بعد اكتمال النصاب الأول، فإن استمر العمل فعلى هذا الحال، وإن انقطع العمل أو انقطع النيل منه: فإن كان الانقطاع لعذر ممن وجده كمرض أو سفر أو عجز عن النفقة، وطال انقطاع العمل فإنه يستأنف من جديد، وإن تركه وجاء غيره فإنه يبتدئ ويستأنف من جديد، وإن كان الانقطاع لعدم وجود المعدن لكونه ليس متصلاً كبحيرة أو جبل، وإنما هو أجزاء في أماكن مختلفة، فإذا انقطع نيل المعدن لعدم وجوده في منطقة العمل واستمر يفتش وكان انقطاعه قريباً، فإن هذا الانقطاع لا يقطع حكم الزكاة على ما كان سابقاً، وإن طال الانقطاع وأصبح كأنه وجد معدناً من جديد بعد زمن طويل وعمل طويل، فحينئذ يستأنف النصاب ويبدأ يحسب من جديد كما لو كان قد وجده الآن.
الإمام مالك رحمه الله يقول: الأمور العامة التي ترجع إلى الأمة لا يملكها واجدها ويمثل بالنفط وبالقار ويقول: إن استخراجها يحتاج إلى نفقات كبيرة، وإن عائداتها لترجع للأمة بأجمعها، وللأمة فيها نصيب، وهنا يقول: إن ولي الأمر يضع يده عليها، وهو الذي يستخرجها، ومصرفها هي المصارف العامة للدولة، كمصرف الفيء الذي يغاير الغنيمة في مصرفه، فالفيء:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}[الحشر:٧] ، فهنا يكون مصرف هذا المعدن العام الذي تتعلق به مصالح الأمة لولي الأمر ينفقه في المصالح العامة.
والمصالح العامة في الدولة هي التي توضع لها الميزانيات، فهناك من المصالح العامة: التعليم، وتموين الجيش، والصحة، والطرق، والبريد وكل ما تلتزم الدولة بإقامته لمصلحة العامة جميعاً، ولا يؤخذ عليه زكاة؛ لأن ولي الأمر أو المسئولين يجمعون المال من الأفراد كزكوات أو ضرائب، يفرضونها في حالة الحاجة أو غير ذلك، وتتكدس عندهم هذه الأموال، فلا يؤخذ عليهم فيها زكاة؛ لأنهم امتلكوها للمصالح العامة.
إذاً: لا نأخذ منهم لنرد عليهم، فهذه الفكرة العامة عما يتعلق بأمور المعادن.