هذا يسمى خيار المجلس، فما داما مجتمعين وكانا في مجلس في السوق أو البيت ما عدا المسجد؛ لأن المسجد لا يصح فيه البيع والشراء، فإذا كانا في سيارة، طائرة، أوتوبيس، باخرة.
في أي مكان يجمعهما وتبايعا فيه، فهما بالخيار ما لم يتفرقا، سواء كانا في الدكان، أو المعرض فتبايعا وأخذ المشتري سلعته وخرج، فقد افترقا عن مجلس العقد، فهنا لما افترقا فلا خيار، وإن كان المعرض كبيراً، وفيه عدة أصناف من السلع، وعند كل صنف بائع، فوقف عند هذا الصنف وتبايع مع المسئول فيه، وتم البيع، وأخذ سلعته، وذهب -في نفس المعرض- إلى الصنف الثاني؛ فقد افترقا عن محل عقد الصنف الأول.
وهكذا يقول أحمد رحمه الله: الافتراق بين المتعاقدين في كل صورة بحسب العرف، فإن كانا في دكان صغير وخرج أحدهما من الباب فقد افترقا، إذا جاء راجعاً وقال: أنا رجعت.
نقول له: ليس لك خيار، ثم ننظر: إن ادعيت موجباً آخر فنعم، أما لمجرد عدم الرغبة فهذا يكون ممتداً ما دمت معه في المجلس، فإذا فارقته وبعدت عنه فحينئذ افترقت، فليس لك حق الخيار في المجلس.
إذا كانا في سفينة -كما يقول أحمد - وكانت صغيرة يكون التفرق بذهاب هذا هنا أو ذهاب هذا هناك، وإن كانت كبيرة وذات أدوار، ونزل هذا إلى السفل وصعد هذا إلى العلو، إن كان وإن كان.
بحسب ما يكون العرف، فإن وقع الافتراق فلا خيار للمجلس، قال هنا: ما لم يفترقا وكانا جميعاً، أما إذا تبايعا عن بعد، بالمراسلة، بالهاتف، بالفاكس، بكذا وبكذا، فهم متفرقون أصلاً، فلا يدخل في هذا الباب، إلا إذا قلنا: وهما على السماعة، وتفاهما على البيع، وقبل أن ينهيا المحادثة قال أحدهما: يا فلان! أنا تراجعت، لم نفترق بعد، ما زلنا على السماعة، والحديث لا زال موصولاً، حينها لهما الحق في ذلك.
وهذا الخيار يفسخ العقد دون رضا الطرف الثاني، سواء كان الذي أراد الفسخ هو البائع كأن يكون تأسف على بيعها، أو ادعى غبناً أو لم يدع، أو مجرد رغبة في السلعة، وكذلك المشتري، ولو لم يدع غبناً، يقول: إن سعرها طيب ورخيص، لكن أنا عندي غيرها في البيت، وأنا في غنى عنها، ما دام في المجلس مع البائع فله حق الرد ولو بالقوة، أما إذا افترقا عنه؛ فحينئذ بطل خيار المجلس.
وسيأتي خيار الشرط وهو أوسع ما يكون وأطول وأكثر تفريعاً.