قال رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالطحال والكبد) أخرجه أحمد وابن ماجة، وفيه ضعف] .
ما علاقة هذا الحديث بباب المياه؟ ساق المؤلف رحمه الله هذا الحديث هنا ليبين حكم ما لو سقطت هذه الأشياء في الماء أو ماتت فيه، فهل تفسد الماء أم لا تفسده؟ كما أنه ساق حكم سؤر الهرة إذا شربت من الماء ليبين هل تفسده أم لا تفسده؟ وهنا ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:(أحلت) ، وهذا فعل مبني للمجهول، والذي أحل هو الله سبحانه وتعالى.
وقوله:(لنا) هل هو خاص بالأمة أم يشاركها غيرها؟ ظاهر النص أنه خاص بالأمة.
وقد تقدم التنبيه على الحوت في حديث:(هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) ، لكن هنا التنصيص على:(الحوت والجراد) ، فلفظ الحوت استدل به الأحناف على أنه لا يحل من ميتة البحر إلا السمك لهذا الحديث:(أحلت لنا ميتتان) ، وذكر أن أحد الميتتين الحوت، وأجاب الجمهور عن هذا بحديث العنبر الذي انحسر عنه البحر، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم أن يعطوه منه.
ويهمنا في هذا الموطن أن الحوت إن وجد ميتاً فهو حلال عند الجمهور، وقد تقدم التفصيل في ذلك عند الأحناف رحمهم الله، فعندهم إن طال زمن موته حتى طفا على وجه الماء، فإنهم يكرهون أو يمنعون أكله، لا للتحريم ولا رداً للحديث، ولكن لطول زمن موته حتى طفا على وجه الماء، فإنه يكون فيه مضرة على الآكل، ونحن نهينا عن تناول ما يضر الإنسان.
وميتة الجراد حلال، قال المالكية: إذا أخذته حياً فيجب أن تُعمل السبب الذي يميته حتى يحل لك، وما هو السبب؟ قالوا: مثلاً: تأخذه في كيس وهو حي، وتغمسه في الماء حتى يموت، فهذا سبب من عندك في إماتته، فيحل لك.
وقوله:(وأما الدمان: فالكبد والطحال) بعض السلف كره الطحال، كما روي عن علي رضي الله تعالى عنه، ولكن ليست كراهية من جانب الشرع، بل قد يكون من جانب الصحة؛ لأن لحم الطحال ليس كالكبد، فالكبد غذاء صالح لكل إنسان، ويستعمل رطباً ويستعمل جافاً، فالكبد قد يجفف للرحلات الطويلة حينما يقلّ الطعام، فيؤخذ ويشرّح ويترك في الظل حتى ييبس، ثم يسحق حتى يصير مثل الدقيق، ثم يحفظ، وعند الحاجة يؤخذ منه قليل يصب عليه الماء الحار، فإذا به غذاء طبيعي يشرب من هذا الخليط.
أما الطحال فمهمته تصفية الدم، فهو يتشبع بفضلات الدم الفاسدة، ويحولها إلى الجسم بعد تصفيتها، فهو بمثابة المرشح للدم في الجسم، وبسبب اختزاله لفضلات الدم غير الصالحة في دورة الدم؛ فإن طبيعته غير خالصة في الغذاء كخلوص الكبد، لكن من طابت نفسه لأكله فليأكله وبعض الأطباء يقولون: كل عضو في الحيوان يصلح لنظيره في الإنسان، فمثلاً: لو أن إنساناً مريضاً بالكبد أكل من كبد الحيوان فإنه يكون أنفع له، ولو أن مريضاً بالطحال أكل طحال الحيوان لكان أنفع له، ولو أن مريضاً بالرئة أكل رئة الحيوان لكان أنفع له، إلى غير ذلك مما يذكرونه.