ونحب أن ننبه على بعض الأشياء وهي: في خصوص عروض التجارة، أنه قد تجدون في بعض المؤلفات الحديثة: أنها لم تكن موجودة من قبل لا في العصر النبوي الشريف ولا في عصر الخلفاء ولا فيما بعدهم، وإنما استجدت في العصور المتأخرة.
وأقول قبل أن نناقش أقوالهم: إن كل ما يستجد أو كل ما استجد اليوم في عصر الحضارة والمدنية وما استجد من أنواع الاستثمار ليس بجديد على الإسلام، بل يوجد له أصل ونظير، والمتحفظ من المتأخرين لا يخرج عما كان قديما ويرد المستحدثات إلى نظائرها التي كانت من قبل، والبعض الذي يريد أن يبرز ربما أغفل ذلك، وحاول أن يجتهد فيلحقها بالزكاة.
ومن ذلك نجد من يقول: إن هنالك أموراً استثمارية لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تغل على أصحابها النماء والغلة الوفيرة، فيجب أن نجعل فيها زكاة، ويمثلون مثلاً بمزارع الدواجن، يقولون: إنها تغل على أصحابها من البيض ومن لحوم الدجاج والسماد ومن الشيء الكثير، وكذلك شركات صيد الأسماك، لأنها تستثمر فتحصل الشيء الكثير بالآلاف والملايين، خاصةً الآلات المستحدثة كالبواخر أو السفن.
وهناك أيضاً: ما يتعلق بمعادن البحر أو غير ذلك، وهناك العمارات الشاهقة كناطحات السحاب تستثمر بالملايين، ويقولون: يجب أن نجعل في أعيانها الزكاة.
ونقول: أيها الإخوة! إن من يقول بذلك يفوته الأصل الأساسي إذا قال: إننا نزكي البيض والدجاج والسمك، وهل هناك نصاب للبيض بالعدد أو بالكيل؟ هل هناك نصاب للدجاج بالوزن أم بالحبة؟ وكذلك السمك.
وإذا قلنا على قولهم بزكاتها فهل نعطي المسكين طبق بيض أو طبقين؟ ماذا يصنع بها؟! إن ادخرها فسدت، وإن سلقها لم يقدر على أن يأكلها! فسيضيع حقه فيها، وكذلك اللحوم والأسماك.
فهذه الأنواع من الأموال المستحدثة لها نظائرها في الخضروات، وكذلك فالأسماك موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك اللؤلؤ يستخرج من البحر، والعنبر يستخرج من البحر، كل ذلك كان معلوماً وما سن فيه رسول الله زكاة.
وإذا أرجعناه إلى القواعد الأساسية وقلنا: هذا الذي استخرج اللؤلؤ واصطاد السمك وجاء بالعنبر وأقام مزرعة الدواجن، إنه يبيع ويدخل عليه من ثمنها، فيكون ذلك (من طيبات ما كسبتم) ، فأثمان هذه المنتجات الحديثة على رأيه سيكون كسباً ونماءً يدخل في ملكه وفي خزينته، فإذا حال عليه الحول زكاه، كما أنه لا تزكى الخضروات ولكن تزكى قيمتها إذا حال عليها الحول، فنقول: كذلك، صاحب البيض والدجاج وصاحب السمك وصاحب العنبر وصاحب اللؤلؤ، إذا اجتمع عنده بعد نفقته نصاب وحال عليه الحول زكى، فيزكي قيمة ما حصل عليه من تلك الأشياء التي لا أصل للزكاة في أعيانها.
أما قيمتها فكما تقدم لنا: لو أنه استثمر التراب لكان عليه من قيمته الزكاة، وبالله تعالى التوفيق.