فإن قيل: ما هي الحكمة من الإبراد بالظهر في شدة الحر؟ فالجواب: لأن شدة الحر تجعل الناس في قلق وعدم طمأنينة، وهذا ينافي المطلوب في الصلاة من توافر الطمأنينة ليفقه المصلي ما يقول، وليكون على خشوع بين يدي ربه في صلاته، فإذا كان في شدة الحر فهو قلق مضطرب منزعج، فلا يمكن أن يوفي الصلاة حقها في تلك الحالة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:(أبردوا) .
وجاء في الأثر: ثلاث ساعات نُهينا عن الصلاة فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، وذكر منها: حينما تكون الشمس في كبد السماء حتى تزول، فقالوا: النهي عن الصلاة في ذلك الوقت؛ لأن النار تُسجر في ذلك الوقت.
واستشكل بعض العلماء هذا فقال: إذا كانت النار تسجر في ذلك الوقت، فإنه أدعى إلى أن نصلي، ونسأل الله العفو والمغفرة، ونسأل الله السلامة من النار.
وأجاب بعض العلماء عن ذلك فقال: إنّ كون النار تسجر في ذلك الوقت، إشعار بما يكون من المولى سبحانه من غضب، حتى جعل النار بتلك الحالة في ذلك الوقت، والسائل حينما يسأل يراعي حالة أو صفة المسئول، فلو كانت لك حاجة عند إنسان فإنك تراعي وقت رضاه، ووقت سماحته، ولا تسأله وقت غضبه وشدته، إنما تراعي وقت رضاه، ووقت رحمته، ووقت انبساطه، وهذا في حق المخلوق، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك كله، لكن ينبغي أن تكون صلاتنا وسؤالنا في غير حال غضب المولى سبحانه، كما جاء في حديث الشفاعة، حينما يذهب أهل الموقف إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم، فكل منهم يعتذر ويقول:(إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله) ، ولم يتقدم أحد منهم لطلب الشفاعة؛ ثم يذهبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد ادخر دعوته لذلك اليوم، فيشفع لهم.
إذاً: شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا من أجل تلك الحالة؛ لأن الدعاء في ذلك الوقت ليس كالدعاء في حالة هدوئها، وعدم فيحها.
يهمنا في الفقه أن الأفضل مراعاة حال المصلين في صلاة الظهر، كما هو مذهب مالك رحمه الله، ففي الشتاء نصلي الظهر في أول وقتها؛ لأنه ليس هناك دواع للإبراد بها.
قالوا: الجواب عن حديث: (شكونا فلم يشكنا) ؛ لأنهم طلبوا التأخير إلى وقت طويل حتى تبرد الحصباء، وجاء في بعض الآثار:(شكونا فلم يشكنا، فكان أحدنا يسجد على طرف كمه، وعلى طرف ردائه، وكان أحدنا يأخذ القبضة من البطحاء يمسكها في يده طيلة ما هو قائم للقراءة والركوع، فإذا سجد بسطها ليسجد عليها) ، لأنها تكون قد بردت في يده في تلك المدة.
فيكون قوله:(فلم يشكنا) أي: لأنهم طلبوا مدة أطول للإبراد، ولكن هذا في الواقع يحتاج إلى إثبات؛ لأنهم ما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم مدة معينة، بل شكوا إليه الحر فقط، وشكوى الحر تتضمن الانتظار حتى يذهب حرها، وحر الرمضاء لا يذهب إلا قريب العصر، فيكون فيه تأخير صلاة الظهر إلى حد بعيد.