للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث: (كان يقصر في السفر ويتم)]

قال المصنف: [وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، ويصوم ويفطر) رواه الدارقطني، ورواته ثقات إلا أنه معلول، والمحفوظ عن عائشة من فعلها] .

الذين يقولون بأن القصر رخصة يستدلون أيضاً بهذا الحديث الذي رواه الدارقطني ورواته ثقات، ويقولون: إنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه: صام وأفطر في السفر، وأتم وقصر في السفر.

إذاً: الإتمام والقصر جائز جوازاً مستوي الطرفين، ولكن أجيب عن ذلك: بأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتم صلاة في السفر قط.

إذاً: هذا معارض بفعله صلى الله عليه وسلم، أما أنه كان يصوم ويفطر فهذا ثابت، فقد صام في فتح مكة حتى بلغ كراع الغميم ثم أفطر بعد ذلك وأفطر الناس معه.

[ورواته ثقات، إلا أنه معلول، والمحفوظ عن عائشة من فعلها] .

يقول المصنف: إن رواية الدارقطني رواتها ثقات ولكنها معلولة، وذكر العلة في الشرح بأن فيه رجلاً سماه وهو مجهول، أو أنه يروي عن غير الثقات، أو أنه غير ثقة، وإذا كان الحديث معلولاً ومخالفاً لما هو المشهور، فلا حاجة إلى الاحتجاج به، وزاد تأكيداً على رده أن هذا الذي يقولون فيه عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم يتم ويقصر، فهي التي قالت: شرعت صلاة السفر ركعتين، فكيف تقول لنا: إن أصل صلاة السفر ركعتين ثم تقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يتم، وهذا مغاير لروايتها الأخرى! فاجتمع فيه: أولاً: مغايرة عائشة رضي الله عنه لروايتها الأخرى: (أقل ما فرضت الصلاة ركعتين) .

ثانياً: لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم في سفر أبداً.

ثالثاً: أنه معلول.

إذاً: لا يتحج به.

ولكن المؤلف كما قدمنا إنما يورد النصوص التي يحتج بها من يحتج ويترك الترجيح والنظر للناظر فيها.

قال المصنف: [والمحفوظ عن عائشة من فعلها] .

يعني أن: عائشة كانت تتم وتقصر، وليس ذلك إسناداً إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلها لا يستوي مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء أن ابن عمر لما سئل عن فعلها قال: (لقد تأولت كما تأول عثمان) ، وجاء عنها أيضاً: أنها كانت تصوم وتفطر في السفر وتقول: (لا يشق عليّ) ، وسيأتي لها رواية، ويناقش العلماء في ألفاظها وفي سندها.

فهنا: فعل عائشة رضي الله تعالى عنها من تمام القصر في السفر، والصوم والفطر في السفر اجتهاد منها، وكما قال ابن عمر: (تأولت كما تأول عثمان) فـ عثمان رضي الله تعالى عنه كان يقصر الصلاة في السفر ست سنوات من خلافته، وقال البعض: بل طيلة خلافته، ولم يتم إلا بمنى في أخريات خلافته، -أي: كان يقصر بمنى وفي غير منى- فقيل له في ذلك؟ فقال أحد جوابين: لقد تزوجت بمنى، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تزوج المسافر في بلد فليتم صلاته) .

وبعضهم يقول: قال: لقد وجدت الأعراب فأردت أن أعلمهم أن الصلاة رباعية، لأنهم إذا جاءوا إلى الحج ووجدوا الخليفة يصلي ركعتين ركعتين رجعوا إلى ديارهم وربما اعتقدوا أن الصلاة كلها ركعتين ركعتين، فقال: أتممت لأعلم.

هذا هو تأويله: إما أنه تأول إتمام الصلاة ليعلم الأعراب، أو أنه أخذ بالنص: (من سافر فنزل في بلدة فتزوج بها فليتم الصلاة) ، فجاءت عنه الروايتان.

وأم المؤمنين رضي الله تعالى عنها تأولت بأن الرخصة للمشقة، فقالت: (وأنا لا يشق عليّ) والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فتأولت أنه إذا انتفت المشقة انتفت الرخصة، ولا حاجة للأخذ بها.