[حكم القصر لطلاب البعثات الدراسية والدورات التدريبية]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
وبعد: فقد ورد أن هناك من يرى أن المسافر مهما كانت ظروفه فله أن يقصر حتى يرجع إلى بلده كما فعل صلى الله عليه وسلم حتى رجع إلى مكة، ولكن ينبغي التأمل؛ لأنهم ينزلون هذا الحكم على صور لا تنطبق عليها أحكام السفر، ولعلنا سمعنا من البعض أنه يفتي الطلاب الدارسين في الخارج أن لهم الحق في الفطر في رمضان وقصر الصلاة حتى يعودوا إلى بلادهم، وهذا لا يتمشى مع قواعد السفر، لماذا؟ لأنهم متفقون على أن من كان مسافراً ونوى إقامة، فإن نية الإقامة تقطع حكم السفر، وخالف في ذلك الأحناف فهم يقولون: البدو الذين يتتبعون مواقع القطر نية إقامتهم في موطن من المواطن لا تقطع عنهم حكم السفر؛ لأنهم في ترحال دائم، إلا إذا بنوا خيامهم ومساكنهم فتكون نية الإقامة مصحوبة بالفعل.
وهؤلاء الذين يذهبون إلى الدراسة أو إلى الدورة العلمية لا يجهلون متى تنتهي دراستهم أو متى تنتهي دورتهم التدريبية، فهم قبل أن يخرجوا من بيوتهم يعلمون المدة التي سيمكثونها كأن تكون الدورة محددة بكذا أسبوع أو بكذا يوم، أو بكذا شهر، وإن كانت دراسة فالسنة الدراسية معلومة.
إذاً: لا ينطبق عليهم حالة الإقامة المجهولة الأمد، فهي معلومة عندهم، والإقامة المعلومة عندنا ليس رخصة فيها عندنا إلا أربعة أيام.
إذاً: كل من سافر لمهمة ويظل غائباً في سفرته إلى مدة يقال له: إن كانت مدة سفرك معلومة ومحددة بأربعة أيام فلك أن تقصر حتى ترجع، إن كانت محددة بأكثر من أربعة أيام فعليك أن تتم من أول يوم تصل فيه، وإذا كانت غير معلومة فلك الحق في القصر في مثل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، والزائد عن ذلك حكمه الإتمام.
إذا كان كل من خرج في بعثة أو في انتداب أو في دورة يعلم مدة إقامته في ذلك المكان، فقد خرج عن كونه مجهول المدة، فلا يحق له أن يقصر نظراً لهذه الملابسات.
وإن كان خلاف هذا فقد قيل عن أبي حنيفة رحمه الله أو المذهب الحنفي بالرخصة إذا كان لا يعلم متى سيخرج، ويمثلون لذلك بالجيش المحاصر لبلدة ولا يعلمون متى سينتهي الحصار، فلهم أن يقصروا إلى العشرين يوماً، والأحناف يقولون: يقصرون حتى تنتهي المدة، ولو كانت شهراً أو شهرين أو أكثر أو أقل.
وهناك من يحتج بخبر عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: جاء رجل فسأل: ما حكم المسافر وإنا نقيم هناك العشرين يوماً نبيع ونشتري.
فقال ابن عمر: أو ما علمت، لقد كنا بأذربيحان، وكنا قد حاصرنا الثلج، ووجدتهم يقصرون ستة أشهر.
هنا قال بعض العلماء: هؤلاء أقاموا مدة ليست معلومة وقصروا ستة أشهر.
ولكن الجمهور يجيب عن ذلك ويقولون: أذربيجان ليست مدينة معينة، ولكنها إقليم، وهذا الإقليم متسع، كما لو قائل: كنت بالكوفة، كنت بالبصرة، كنت بالعراق، كنت بالشام، كنت بمصر، والغزاة هناك ليسوا مرابطين في مكان واحد، إنما هم يتجولون، فإذا انتقل في أذربيجان مسافة توجب القصر أو تبيح القصر كان دائم السفر.
فلو أن إنساناً سافر إلى الشام في مهمة، تقتضي أن يتنقل من دمشق إلى حمص، ومنها إلى حلب، وهكذا بين مدن الشام؛ فهو مسافر.
لو جاء الحاج إلى مكة والمدينة أو جدة، فمجيئه إلى جدة سفر، ومن جدة إلى مكة سفر، ومن مكة إلى المدينة سفر، ولو أراد أن يسافر من المدينة إلى الرياض أو إلى القصيم أو إلى الطائف، فكل هذا يسمى في حقه سفراً، وله أن يقصر فيه؛ لأنها أسفار ومسافات تبيح له القصر.
إذاً: كل الصور الموجودة في بعثات دراسية أو نحوها مدتهم معينة فلا يدخلون في الخلاف أبداً، ولا حتى عند الأحناف، أما إذا كانوا في مدد غير محددة فالأحناف يرخصون: لهم أن يقصروا، والجمهور يقولون: لا يزيدون عن المدة التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا جئنا بشخصين أقاما خارج البلد لمهمة طويلة ومضت المدة، وأحد الشخصين أتم الصلاة، والآخر استمر على القصر، فنقول: يا فلان! عودك إلى الإتمام عودة إلى الأصل، وأنت يا فلان! استمرارك على القصر على أي أساس؟ وما هو الأحوط في حق الصلاة: العودة إلى الإتمام، أو البقاء على القصر بدون أصل يعتمد عليه؟ إذاً: العودة إلى الإتمام والرجوع إلى الأصل على سبيل الاحتياط يكون أولى، وهذه المسألة كما ذكرت كثر النقاش والكلام فيها قديماً وحديثاً، في هذا ما أحببنا التنبيه عليه لم هذه الحالة، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق.