شرح حديث: (كان يقرئنا القرآن مالم يكن جنباً)
قال رحمه الله: [وعن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً) رواه الخمسة، وهذا لفظ الترمذي وصححه، وحسنه ابن حبان.
] هذا الحديث يكثر السؤال عنه، وخاصة ممن يحفظن القرآن من النساء عندما تطرأ عليهن الدورة الشهرية؛ لأن الحيض والجنابة لهما نفس الحكم، فالجنب ممنوع من الصلاة، وممنوع من المكث في المسجد، وقد قرنهما صلى الله عليه وسلم في قوله: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) ، وساوى بينهما، وقد ذكرنا أن دلالة الاقتران لا تستوجب المساواة في الحكم، ولكن النصوص الأخرى تدل على أن الحائض تمنع من المكث في المسجد لا مجرد العبور.
وهنا قال علي رضي الله تعالى عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً) .
علي رضي الله تعالى عنه يحكي لنا فعل النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقرئنا) أي: يقرأ علينا ونسمع منه القرآن، ما لم يكن جنباً، إذاً: ما لم يكن جنباً يقرئنا، وإذا كان جنباً فلا يقرئنا.
وقد يكون هذا حكاية فعل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن نقل علي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه توضأ وقرأ القرآن، ثم قال: هكذا من أراد أن يقرأ القرآن، أما إذا كان جنباً فلا ولا حرفاً) وكلمة: (ولا حرفاً) الحرف: يطلق على الجملة، وعلى الآية، وعلى الكلام الكثير من القرآن، يقول صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف) ، أي: على هيئة من القراءة، ومثال حرف واحد في عرف هذا الحديث: {ن وَالْقَلَمِ} [القلم:١] {ص وَالْقُرْآنِ} [ص:١] ، فلو قرأ حرفاً يقصد به التلاوة فهو آثم، ولكن إذا قرأ أو ذكر على لسانه لفظاً من القرآن كدعاء كقوله: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا.
على أنه يدعو ويسأل الله، ولا يريد به تلاوة؛ فلا شيء عليه لأنه يعتبر ذكر، والجنب والحائض كل منهما يذكر الله بغير القرآن.
وفي قصة أسماء لما حاضت عند أبيار علي، وسأل أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (مرها فلتغتسل وتفعل كل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر) .
والحاج يلبي، ويحمد الله، ويسبح، ويدعو، ويأتي إلى عرفات، ويذكر الله هناك وعند المشعر الحرام، ويرمي الجمرات.
إذاً: الحاج له أذكار في مواطن متعينة، فالحائض تفعل كل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت حتى تطهر.
واتفقوا على أنها إن كانت طاهرة وطافت بالبيت وذهبت لتسعى، ثم على الصفا لأول وهلة فاجأتها الحيضة؛ فإنها تكمل سعيها عند الأئمة الثلاثة، ومالك يستحب أن يكون الساعي على طهارة، لكنهم أجمعوا على أنها لو سعت وهي حائض بعد أن طافت وهي طاهر فسعيها صحيح، وهي في سعيها تذكر الله.
إذاً: الحائض لها حكم الجنب في هذا الأمر.