خامساً: المسافر
ثم يأتي بالرواية الأخرى ويضيف إلى ذلك خامساً وهو: المسافر.
والمسافر في الجملة حصل الاتفاق على أنه لا جمعة عليه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر في غزوات عدة ولم ينقل عنه أنه صلى الله عليه وسلم في أي غزوة ولا في أي سفرة صلى جمعة، بل بالإجماع كان السفر للحج والوقوف بعرفة في حجة الوداع يوم الجمعة، ولم يثبت أنه صلى الجمعة، بل صلى الظهر ركعتين قصراً والعصر ركعتين وجمع بينهما.
ولما جاء أبو يوسف ولقي مالكاً رحم الله الجميع وتذاكرا هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات جمعة أم صلى ظهراً؟ فقال مالك: صلى ظهراً.
فقال أبو يوسف: ألم يصل ركعتين ويخطب بالناس؟ قال مالك: بلى.
قال: هذه هي الجمعة ركعتان مع الخطبة.
قال: أرأيت جهر بالقراءة أم أسر بها؟ قال: أسر بها.
قال: هذا الظهر، والجمعة يجهر فيها بالقرآن، وهكذا أيها الإخوة أسلوب العلماء في المذاكرة دون مناكرة أو شقاق أو غضب أو شيء من ذلك، فرجع كل إلى الأصل واقتنع أبو يوسف رحمه الله أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة كانت ظهراً، وبهذا اتفقوا في الجملة على أن المسافر لا جمعة عليه.
ولماذا لا جمعة عليه؟ قالوا: لأن المسافر تلحقه مشقة، ومن عناء السفر قصرت عليه الصلوات الرباعية فهو في حاجة ومشقة، فتكليفه بحضور الجمعة بما لها من شروط قد يلحق به مشقة زائدة.
ولهذه النظرة نجد بعض الفقهاء يفصل قالوا: المسافر على حالتين: - مسافر عابر سبيل، نزل بقرية في يوم الجمعة وهو على نية الرحيل في يومها، أي: أنه على ظهر طريق، فهذا يتفقون على أنه لا جمعة عليه.
- مسافر نزل في قرية قبل الجمعة بيوم أو يومين وسيستمر بعد الجمعة بيوم أو يومين فقالوا: هذا مسافر، ولكن نزل واستقر، فانتفت عنه مظنة التعب والمشقة، فهذا عليه أن يأتي، والجمهور قالوا: مادام أن له حكم المسافر وله يقصر الصلاة على ما تقدم في مدة المقيم إقامة مؤقتة، فحينئذٍ حكم السفر مازال معه واليوم كاليومين إلى الأربعة الأيام سواء.
إذاً: المسافر والذي نزل نزولاً مؤقتاً في طريقه فإنه لا جمعة عليه، وإذا حضر، قالوا: إذا حضر تحتسب له وتجزئه عن يومها، ولكن لا يكون في عدد الجمعة لماذا؟ لأن الأصل سقوطها عنه.
إذاً: هؤلاء الخمسة الأشخاص لا جمعة عليهم.
نجد أن هناك قولاً منفرداً، وهو يأتي عن أبي يوسف رحمه الله صاحب أبي حنيفة رحمه الله؛ يقول: يلحق بهؤلاء الخمسة الأعمى؛ لأنه تلحقه المشقة في حضور الجمعة، ولكن كما قال ابن قدامة في المغني: هذا قول شاذ؛ لأن الأعمى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذر عن حضور الجماعة وقال: بيني وبين هذا المسجد هذا الوادي وليس لي قائد، وفي الطريق كذا وكذا واسترخص بأن يصلي في بيته فأذن له، وبعد أن أدبر دعاه فقال: أتسمع النداء؟ قال: بلى قال: أجب، فيقول الجمهور: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص له في ترك الجماعة في الصلوات الخمس، والجمعة آكد، فلأن لا يرخص له في الجمعة من باب أولى.
إذاً: الذي عليه الجمهور هو أن الجمعة تسقط عن خمسة أصناف: المملوك والمرأة والصبي والمريض والمسافر على ما تقدم، وبالله تعالى التوفيق.