للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصلاة بحضرة الطعام وما في معنى ذلك]

قال المصنف رحمه الله: [وعن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قدم العشاء فابدأوا به قبل أن تصلوا المغرب) ، متفق عليه] .

في الحديث الأول النهي عن الاختصار في الصلاة أثناء أدائها، والحديث الثاني موضوعه قبل الدخول في الصلاة، وفيهما المحافظة على الخشوع في الصلاة، ففي هذا الحديث أنه إذا قدم العشاء قبل المغرب فلنبدأ بالعشاء، مع أن المغرب وقته ضيق! وفي اللفظ الآخر: (إذا قدم العشاء والعشاء فابدأوا بالعشاء) ، فجيء بلفظ (العشاء) بدلاً من المغرب، ومهما تكن من تسمية فإنهم يقولون: إذا قدم الطعام تطلعت إليه النفس، فإذا تركه وانصرف إلى الصلاة كانت نفسه مع الطعام، وهذا يشوش عليه.

وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتناول طعامه، وكان بجانبه شواء تشم رائحته، فأراد المؤذن أن يقيم الصلاة، فقال: اصبر حتى ننال من هذا الشواء؛ فلا تتعلق به نفوسنا في الصلاة.

وهنا بعض المباحث الفقهية، فمن ذلك أنه لو ضاق الوقت، وقدم الطعام فهل نقدم الطعام ولو خرج الوقت؟ هناك من يقول: نعم، كالظاهرية، وهناك من يقول: يجب تقديم حرمة الوقت.

وهناك من يقول: هذا للصائم؛ لأنه طيلة نهاره صائم جائع ينتظر الطعام ويرقب المغرب، فإذا قدم طعامه فليتناول من طعامه قبل أن يصلي المغرب، وهذه كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كانوا يتناولون الإفطار بعد الأذان وقبل الصلاة، فيتناولون تمرات مع شيء من الماء، كما يُفعل الآن في المسجد النبوي ولله الحمد؛ لأن الإنسان مع طول الوقت يتطلع وينتظر، فلابد أن يأكل ما يكسر هذا التطلع والانتظار، لاسيما بالمادة الحلوة، ولذا قالوا: من الحكمة أن يكون الإفطار على تمر ورطب؛ لأن الحلاوة تدفع شره الجوع عن المعدة، وتجعلها تكتفي بأقل مما لو لم يسبق إليها بالحلوى.

فتقديم العشاء على المغرب كان رفعاً للتشويش، أما إذا كان شبعان وقُدِّم العشاء وأقيمت صلاة المغرب فيبقى في حقه أن يُقدم المغرب؛ لأفضلية أول الوقت؛ لأن العلة منسية؛ إذ إنه قد شبع من هذا الطعام، أو في غنى عنه.

فالحكم مختص بالجائع الذي يتشوش خاطره بترك الطعام إذا قّدم الصلاة، والله تعالى أعلم.

وليس الأمر قاصراً على المغرب وعلى العشاء، بل كل أوقات الصلوات في ذلك سواء، ويمكن أن يقال أيضاً: إن ذلك يكون كذلك في حالة ما إذا كان هناك أمر هام ينشغل به المصلي، كمن عنده موعد مع إنسان في مكالمة هاتفية مهمة، وأقيمت الصلاة، وبقي من الوقت دقائق على موعد المكالمة، أو على مجيء الرسول بهذا الأمر، وإذا دخل في الصلاة يخشى أن يرن الجرس، أو إن دخل في الصلاة، يخشى أن يأتي الرسول فلا يجده.

فلو أخرت الصلاة إلى الفترة القريبة التي لا تفوّت عليك وقت الصلاة حتى تُصلي وأنت مطمئن الخاطر مستريح البال فإنه يمكن أن يقاس هذا على علة رفع التشويش الكائنة في غير الطعام، مع غير المغرب والعشاء.